أسطورة قابيل وهابيل وتاريخ الصراخ بين المزارع والراعي

أسطورة قابيل وهابيل وتاريخ الصراخ بين المزارع والراعي

#فك_رموز_قصة_قابيل_وهابيل_كتعبير_مجازي_عن_صراع_الحضارات_وتطورها 

■ بعد أن اكتشف الإنسان الزراعة، وبدأت القرى الزراعية بالظهور وظهرت المدن والدول التي تحمي المزارعين، بدأ صراع دموي بين المجتمعات الزراعية والمجموعات الرعوية. كانت المجتمعات الزراعية توسع أراضيها على حساب أراضي المجموعات الرعوية وكان يصحب هذا التوسع حروب ضد المجموعات البدوية التي كانت تقاوم هذا التوسع، وبالمقابل كانت المجموعات الرعوية تشن غزوات انتقامية سريعة على المجتمعات الزراعية وعلى المدن والدول التي تحمي هده المجتمعات.

■ لقد حدثنا التاريخ مطولا، وأثار إشفاقنا، عن غزوات البدو الكبرى على بابل ونينوى وروما ومصر، وفيما بعد على بغداد ودمشق عندما تدفقت عليها جموع التتار الجائعة من أعماق الصحاري الآسيوية، ولم يحدثنا عن صراخ البدوي المنعزل وهو يُذبح على يد أخيه المزارع. حدثنا التاريخ عن قابيل وهو يذبح أخاه هابيل ولم يحدثنا عما فعله هابيل بأخيه ليستحق منه ذلك. 
إنّ أذن التاريخ لا تسمع إلا الأصوات العالية، أما الأصوات الخافتة فلا تصل إلى أسماعه.

■ لقد انعكس هذا الصراع الإجتماعي بين الثقافتين الزراعية والرعوية، بين قابيل المزارع وهابيل الراعي ، في أساطير المنطقة.
حلت الثقافة السومرية وهي أول ثقافة زراعية في التاريخ التناقض بين المزارع والراعي لصالح المزارع في ثلاثة أساطير 

معروفة هي:

1-أسطورة ايميش وأنتين.
2-أسطورة لهار وأشنان.
3-أسطورة أنكمدو ودوموزي.
في هذه الأساطير يذهب المزارع والراعي الى الآلهة يحتكمان فيما شجر بينهما من خلاف، حيث تحكم الآلهة للمزارع بالغلبة والتفوق والأفضلية على أخيه الراعي.
أسطورة أنكمدو ودوموزي :
في هذه الاسطورة نجد أنانا (آلهة الحب والخصب عند السومريين) تبحث عن زوج فيتقدم لطلب يدها دوموزي الراعي وأنكمدو المزارع. وهي كموقف أولي تفضل أنكمدو فتقول:
انا العذراء سأتزوج المزارع..
الفلاح الذي يزرع النباتات ويعطي الغلال الوفيرة..
الفلاح الذي يُنتِج الحبوب الغزيرة..

■ إلا أنّ أخاها (أوتو) إله الشمس يحضّها على الزواج من دوموزي الراعي وتفضيله على الفلاح. فيأخذ بتعداد محاسنه وصفاته ولكن (انانا) تتابع إبداء وجهة نظرها في السبب الذي من أجله تفضل المزارع. ثم يستعرض دوموزي وأنكمدو ما يستطيعون من تقديمه الى (انانا) لإقناعها ولكن في نهاية الأسطورة ينتصر الراعي دوموزي على الفلاح انكمدو وتاخذه (انانا) زوجا لها.
الا أنّ هذا الانتصار لم يكن الا بداية الكارثة لدموزي المسكين الذي ارسلت به (انانا) فيما بعد الى العالم الاسفل، لينوب عنها هناك، ويتوضح ذلك في اسطورة سومرية اخرى وهي أسطورة هبوط (انانا) للعالم السفلي. وتغدو التضحية بالراعي شرط انتصار الزراعة واستكمال دورة الخصب على الارض وكما يتوضح في أسطورة هبوط عشتار للعالم السفلي.

■ وهكذا فإنّ انتصار الراعي لم يكن الّا مؤقتا وزائفاً ومرحلة تحضيرية لخسارته النهائية، بل وللتضحية به لضمان استمرار الحضارة الزراعية. وفي مراميها الاخيرة فإن هذه الاسطورة تتفق مع بقية أساطير وادي الرافدين في سيادة الفلاح وغلبته على الراعي.
ولعل النص التوراتي والقرآني لا يبتعد عن هده الفكرة عندما يقبل الإله تقدمات هابيل الراعي مفضلا اياه عن قابيل المزارع ولكن قابيل يقوم فيما بعد بقتل اخيه انتقاما منه.

● أسطورة (قاين وهابيل) في التوراة:
(1 وعرف آدم حواء امراته فحبلت وولدت قايين. وقالت اقتنيت رجلا من عند الرب. 2 ثم عادت فولدت أخاه هابيل.وكان هابيل راعياً للغنم وكان قايين عاملاً في الأرض. 3 وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب. 4 وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب الى هابيل وقربانه. 5 ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه. 6 فقال الرب لقايين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك. 7 ان أحسنت أفلا رفع. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة واليك اشتياقها وانت تسود عليها 8 وكلم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله. 9 فقال الرب لقايين أين هابيل اخوك.فقال لا أعلم. أحارس انا لأخي. 10 فقال ماذا فعلت. صوت دم أخيك صارخ الي من الارض. 11 فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم اخيك من يدك. 12 متى عملت الارض لا تعود تعطيك قوتها. تائها وهاربا تكون في الأرض. 13 فقال قايين للرب ذنبي أعظم من أن يحتمل. 14إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفي وأكون تائهاً وهارباً في الأرض.فيكون كل من وجدني يقتلني. 15 فقال له الرب لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه.وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده. 16 فخرج قايين من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن 17 ).... العهد القيم، سفر التكوين، الاصحاح الرابع، 1-17.

■ المرامي النهائية للنص الوراتي تتفق مع بقية النصوص السومرية ذلك أنّ مقتل الراعي على يد المزارع إنْ هو إلّا تثبيت لغلبة المزارع وقوته وتفوقه على الراعي. ولم يكن بإمكان النص التوراتي إلّا أنْ يسير على هذا المخطط، ذلك أنّ اليهود قوم رعاة، ولكنّهم استقروا فيما بعد وزرعوا الارض وبنو المدن، وبقوا يكنون احتراماً لتاريخهم الرعوي القريب.
فجاء قبول إلههم (يهوه) لقربان الراعي تعبيراً عن مرحلتهم الرعوية السابقة واحترامهم لها بسبب قراءاتهم اليومية للتوراة. أما موت الراعي على يد المزارع قابيل فجاء نتيجة للامر الواقع الذي يعيشه اليهود من غلبة الزراعة على البداوة. 
مات هابيل الراعي، تاركاً أحفاده الرعاة في أسرِ الدورة المناخية السنوية، بعيدين عن أي مساهمة في ثقافة البشر وحضارتهم، فبدوي اليوم لا يختلف في شيء عن بدوي فجر التاريخ. أما قابيل المزارع فقد استلم زمام الحضارة ودفع بها أشواطا الى الأمام. أنتج المجتمع الزراعي، فالمجتمع الصناعي واستطاع 
أحفاد قابيل الوصول الى الفضاء الخارجي.

▪︎مصادر البحث:
التوراة
كامل علي- الحوار المتمدن
مغامرة العقل الأولى - فراس السوّاح
(مصطفى يعقوب)

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow