تراجيديا مقتل وحش الحروب العابر للقارات الذي تمرد على زعيمه

تراجيديا مقتل وحش الحروب العابر للقارات الذي تمرد على زعيمه

"تراجيديا مقتل بريغوجين."
بقلم: يوسف بولكجم.

قد يُجمع العالم على أن شخصية
"يفغيني بريغوجين" تنتمي إلى الشَّر المُطلق خاصة في الأحداث الأوكرانية الأخيرة، إلا أن الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة لي. 
لتقييم هذه الشخصية المثيرة للجدل و التي لطالما إرتبط إسمها بأغلب بؤر التوتر في السنوات الأخيرة، كسوريا، ليبيا، دول الساحل الأفريقي و ختاما أوكرانيا، يتحتم علينا أن نرى الأمور من زاوية و نفسية الإنسان السلافي الغيور على أمجاد إمبراطورية أجداده المُحَطَّمة. 
و هذه الغيرة و القيم الوطنية الخالصة و العمياء التي لا تعرف حدودًا ولا أي ضوابط بيروقراطية أو سياسية هي التي تُشَكِّل تحديدا العُنصر النبيل و العفوي و الجانب المضيء في شخصيته الدموية. 
هذا الإحساس القومي العميق بداخله و الذي عَمِل جهاز  ال(كي جي بي)  على إخراجه إلى أرض الوجود عبر تنميته إقتصاديا و عسكريا لعقود من الزمن حتى تحول الى وحش 
(Hulk) 
لاكن في نسخته الروسية هذه المرة،و خلافا للنسخة الأمريكية فالوحش الخارق لم يكتسب تلك الطاقة نتيجة لتعرضه لأشعة غاما بكثافة ، بل هو وحش صُنع في مقرات المخابرات المُظلمة و برغبة الكرملين، ليَنطلق بعدها الى مختلف قارات العالم باحثا عن كل من يعارض أو يُعرقل توجه روسيا الجيواستراتيجي من أجل سحقه بكل فخر و اعتزاز و ذلك إشباعا لمشاعره القومية. 
و على غرار الفيلم الأمريكي 
Hulk 
الذي هو من بطولة 
Eric Bana
فالنسخة الروسية من بطولة 
Evgueni Viktorovitch Prigojine
تمتاز بدورها بحبكة درامية رائعة، حيث أعلن الوحش تمرده عن صُنَّاعه في يوم:
 (الثالث والعشرين من يونيو) حيث زحف على رأس مليشيته فاغنر نحو موسكو. 
ليُقرِّر بعدها صُنَّاعه إنهاء وجوده بإسقاط طائرته الخاصة في سماء موسكو يوم :
(الثالث و العشرين من غشت) 
كما أن تصفيَّته قد أخدت شكلا شاعريا حيث كان المخرج 
vladimir poutine
و بتزامنٍ مع حدث الإغتيال يُشاهد عرضا موسيقيا و ذلك إحياءا لذكرى إنتصار جنود السوفييت على جيوش هتلر.
و إليكم ترجمة قصيرة لبعض كلمات أغنية العرض :

"في بعض الأحيان لا تكون هناك أسماء متبقية"

"أولئك الذين أخدوا المعركة حتى الموت "

"لقد أصبحوا مجرد أرض و عشب"

"فقط براعتهم الهائلة هي التي إستقرت
في قلوب الأحياء". 

و هكذا أُسدِل السِّتار على النسخة الروسية من الفيلم و تم إنهاء وجود  Hulk فوق سماء موسكو و هو في أوج عطائه.
و من الواضح أن الوحش كان شخصية نافعة لقيادات بلده و لبني جلدته و قوميته طيلة أحداث الفيلم، لكنه كان كابوسا على أرواح السوريين و الليبيين و الأفارقة و الأوكران.
المستفاد من قصة بريغوجين كذلك أن البطولات القومية يستحيل أن تكون من نصيب عامة الناس، حتى و إن كُنت بطلاً شرِسًا يتربَّع على عرش إمبراطورية مالية كفاغنر و التي تتفرع منها مئات الشركات برؤوس أموال خيالية فلن تكون البطولة القومية من نصيبك إطلاقاً، لأنها وُجِدت للدوائر الرسمية و عِليّة القوم. 
و لذلك فبالرغم من كل الضجيج و الرعب الذي أحدثه إسم بريغوجين في مختلف الملفات الدولية، فإنه قد بدأ مغامرته كطباخ للرَّئيس و إنتهى كطباخ للرَّئيس، لا كبطل قومي و لا كصانع للسياسات الدولية.
و ختاما نستنتج أن أمريكا تصنع الوحوش الخيالية في استوديوهات هوليوود و روسيا تُخرجها للواقع، و ستبقى دول و شعوب المنطقة جامدة  بين مطرقة الأولى و سندان الثانية وذلك أَمَلاً في أن يُحْدِث رَبُّك أَمْرًا.

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow