علاقة السلاطين المغاربة مع النخب اليهودية

علاقة السلاطين المغاربة مع النخب اليهودية

تجمع العديد من الدراسات  التاريخية على أن سلاطين الدولة المغربية، دأبوا على تقليد قديم، تمثل في صناعة نخب يهودية من أجل الاستعانة بخدماتها، وهم من سموا ب "يهود البلاط"، ( او يهود السلطان) وكانوا أفرادا ينتمون إلى صفوة الجماعة اليهودية قدموا خدماتهم للحكام بصفتهم وسطاء بين السلطان والرعية، وبين السلطان والقوى الخارجية، كمكلفين بالمهام الديبلوماسية، وعقد الصفقات التجارية بالوكالة، أو في إطار مهمات خاصة أحيطت بسرية تامة. 

وكثيرا ما كان الحكام يعتبرون بأن اللجوء إلى خدمات هؤلاء هو أقل خطورة من استعمال عناصر تنتمي إلى دين الأغلبية، هذا من جهة، ومن جهة اخرى لطالما تمتع اليهود بخبرات كبيرة في عملية الوساطة المتعددة. وكانت لهم علاقات قوية مع إخوانهم في الدين بالدول الأخرى ييسرون عليهم القيام بمهامهم.

كانت النخب اليهودية دائما على اتصال قوي بالماسكين بسدة الحكم، ومنذ العهود الغابرة راجت الحكايات والروايات المتعلقة بالصعود السريع ليهود البلاط إلى مواقع السلطة والمتبوع أيضا بأفولهم السريع، لأن علاقتهم بالمخزن تأرجحت بين المد والجزر، وبين المودة والجفاء، روعيت حقوقهم أحيانا وثم تجاوزها أحيانا أخرى.
 
اتصالا بنفس الموضوع، إذا كان قرار تأسيس أول ملاح بفاس وما تلاه قد تم بإيعاز من السلطة الحاكمة بذرائع متعددة، يلفها الغموض، أو برغبة منهم في كثير من البوادي وبعض المدن الأخرى، فقد صار الحي اليهودي سواء كان محاطا بالأسوار أو بدونها، يشير بغض النظر عما إذا كانت العزلة "طوعية" أو " مفروضة"، إلى مكان مادي وحالة نفسية اجتماعية تعبر عن خصوصية يهودية في الأعراف والتقاليد ونمطي التفكير والعيش، وفي هذا الصدد يمكن قراءة جواب الربي الحبيب بن يوسف طوليدانو، أحد كبار أحبار اليهود خلال القرن الثامن عشر، عن استفسار طرح عليه في شأن المغزى من أسوار الملاح، فجاء رده كالتالي:" إنها الحد بين المقدس والمدنس". ذلك أن الملاح لم يكن تجمعا اقتصاديا أو حيا سكنيا أو مركزا للتعبد فحسب، بل تجاوز ذلك للإشارة إلى تصور ذهني جماعي يعبر عن خصوصيات اليهود في رقعة جغرافية مشتركة مع المسلمين.
 
وهكذا أصبح تعريف "اليهودي" لاحقا مقرونا بالملاح؛ بوصفه الفضاء الذي صار يحيل على هوية مزدوجة، مادية باعتباره حيا فقيرا وغير صحي للعيش، ومن الناحية الاجتماعية أصبح الملاح، بسبب مؤسساته الدينية والفكرية الرقابية، فضاء للطمأنينة. كما أن العيش داخله أتاح لليهود القدرة على إعادة إنتاج أعرافهم وعاداتهم، وكذا مراقبة القواعد الأخلاقية لبعضهم البعض بسهولة أكبر .

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow