عبد الله بوشطارت :"ايت باعمران" حلف سياسي صنهاجي عريق

عبد الله بوشطارت :"ايت باعمران" حلف سياسي صنهاجي عريق

مدينة إفني أسستها اسبانيا سنة 1934 وقامت ببنائها باحكام وبجمالية في البنيان والعمران وسط حدائق مزدهرة بالورود فوق صخرة مطلة على المحيط، إفني بنتها إسبانيا حينما دخلت المنطقة بفضل اتفاقية الحماية مع "إمغارن ن آيت باعمران" في مدشر أمزدوغ  (دولة إمغارن نظام سياسي لدى  الامازيغ، أشار إليه بن خلدون في حديثه عن احتلال المرابطون لمدينة أغمات قائلا كان ذلك في عهد " دولة إمغارن في بلاد المصامدة..." ) ، الذين كانوا يرفضون التسرب الفرنسي إلى بلادهم منذ سنة 1916 حيث نزلت الجيوش الفرنسية بتزنيت والتي تحالفت مع قواد المخزن في تارودانت وما إليها من سهول سوس لتطويع هذه النواحي الجزولية، وانهزمت فرنسا ومن معها من القواد المخزنيين في وقعة إيگالفن بموقع "مْرْز إغيال" أي (حيت ينكسر الحمير) . وكان إمغارن آيت باعمران يعتبرون حلفاء استراتيجيون لإمارة تازروالت، ويمكن أن نسميهم بحراس ساحل تازروالت أو عيون أمرائها على المحيط، لذلك نفهم لماذا نجد أغلب بيوتات آيت باعمران حاليا تنحدر من إيداوسملال. وحين نقول إيداوسملال لا نقصد بها المفهوم السوسيومجالي لاداوسملال حاليا، وإنما نقصد الفرع الصنهاجي القديم والكبير الذي يستقر حاليا ببلاد جزولة ويقود الحلف السياسي تاكيزولت أو ما يسميه المختار السوسي بالنحلة، ولاتزال مجموعة في موريتانيا الحالية تسمى بالسماليل. القيادة السياسية والدينية منذ الفترة السابقة لظهور الشيخ عبدالله ابن ياسين، واستمر حتى عهد سيدي محند أوسليمان الجزولي ثم اشتهر هذا الحلف بظهور سيدي حماد اوموسى الذي مهد لإمارة إيداوسملال بوصول امجاض الحلف الصنهاجي الآخر إلى تزلمي. فانبثقت دول صنهاجية من رحم الزوايا فتزعمت صنهاجة الأطلس المتوسط الزاوية الدلائية في منطقة فزاز بجانب جزء من حلف امجاض الذي عسكر بجانب الزاوية الدلائية، ثم اخذت الزاوية السملالية زمام  الأمر في الجنوب بمنبسط تازروالت وسط منطقة جزولة/ تاكيزولت بجانب ما تبقى من مجموعة امجاض التي استقرت بتزلمي. وقد تحركت هذه الدينامية الصنهاجية على اكتاف الزوايا والطرق الصوفية بشكل سريع بعد انهيار دولة السعديين والصراع الدموي الذي وقع بين أبناء احمد المنصور الذهبي، ولابد من التذكير أن دولة السعديين قامت على عصبية صنهاجية جزولية مغلفة بايدويولجية النسب الشريف. ونستشف هذا من المقالة المشهورة للمؤرخ القبلي المعروفة بمقالة التمهيد، حيث يظهر لنا بجلاء أن الطريقة الجزولية كانت بمثابة المراحل التأسيسية للدولة.

نعود إلى موضوع إفني أو "قضية إفني" كما يحلو للاسبان تسميتها، فسبب نزول هذا الكلام، هو الإشارة إلى أن الحديث عن افني اليوم من دون منهجية تاريخية تنظر بمنظار شمولي لتاريخ آيت باعمران في إطار تحليل عام يضع آيت باعمران كحلف سياسي داخل الدينامية التاريخية الكبرى التي عرفتها صنهاجة في منطقة نول لمطة وجزولة والصحراء، لن يستقيم. لذلك ندعو الباحثين إلى تجاوز عقدة القرن التاسع عشر والعشرين. وهي فترة وصول الغزو الأجنبي في صيغته الإمبريالية المعاصرة ما بعد الثورة الصناعية في أوروبا إلى جنوب المتوسط وافريقيا. والبحث في تاريخ آيت باعمران في العصور الوسطى زمن الامبراطوريات الأمازيغية الكبرى ثم قبيل وبعد صعود السعديين. لأنه تنعدم الدراسات التاريخية والانثروبولوجية حول آيت باعمران خلال الوسيط والحديث، ونجد تركيز الباحثين يستهدف فقط أواخر القرن التاسع عشر حيث احتدم الصراع بين المخزن وامارة تازروالت حول سواحل آيت باعمران بالاعتماد على بعض العائلات التي كانت ذات نفوذ تجاري وسياسي بالمنطقة وخاصة بمجال واد نول وتاگوست. ثم فترة دخول الحماية الإسبانية إلى البلاد وتأسيس مدينة إفني كعاصمة إدارية لمجموع مناطق وجود الاسبان في الجنوب المغربي. خلال هذه الفترة توجد وثائق كثيرة جدا تتحدث عن تاريخ المنطقة سواء أرشيف العائلات بآيت باعمران والوثائق المخزنية ووثائق دار إليغ ثم الأرشيف الاسباني الغزير جدا بمدريد والارشيف الفرنسي... وكل هذه الأرشيفات تنطق بتاريخ مختلف ومتنوع حسب التموقع والأهداف والمصدر. ثم وجود رواية شفوية تتحدث عن فترة القرن العشرين وما قبله بقليل.

لذلك نريد أن نلفت اهتمام الباحثين الشباب في تاريخ منطقة آيت باعمران ومجال واد نول/ نون بشكل عام إلى البحث في قضايا مستجدة وطرح أسئلة مختلفة من الأسفل يعني النفاذ إلى العمق التاريخي بذل اقتصار الحديث عن آيت باعمران فقط خلال الفترة المعاصرة. لأن التحول الكبير الذي عاشته آيت باعمران وقع في العصر الوسيط، وخاصة في زمن المرينيين حيث شهدت تلك النواحي وصول مجموعات بشرية أخرى جديدة إذاك وعملت على تدويخ المنطقة وقلبها رأسا على عقب، وهي القبائل البدوية التي اقتطع لها المرينيون هذه المناطق بعد أن استعصى عليها خضوعها وضبطها. هذه القبائل البدوية القادمة من بعيد ساهمت بشكل كبير في تفكيك الهوية المجالية والثقافية للمنطقة والمجموعات التي كانت تحكمها، وتأثرت الدينامية الصنهاجية بهذا التحول حيث تفككت مجموعات كبيرة مثل لمطة إلمتين، وجزولة تاكيزولت، وساهم الطاعون الأسود في هذا التحول حيث تسبب في نزيف ديموغرافي مهول للمجموعات الأمازيغية... وتفتت تسميات هذه المجموعات وظهرت تسميات أخرى لم تكن موجودة قبل وصول احمد المنصور الذهبي إلى المنطقة، (أنظر ديوان قبائل سوس) والسلطان حماد المنصور نزل بتانگارفا في آيت باعمران في محلة سلطانية ضخمة لاتزال بعض المآثر والروايات شاهدة على ذلك. كما توجد رحلات مكتوبة نلاحظ من خلالها بداية ذلك التحول الذي شهدته المنطقة في بداية العصر الحديث ونخص بالذكر هنا رحلة ليون الافريقي المعروف بحسن الوزان. وكان على إثر ذلك التحول اضمحلال نول لمطة كعاصمة تجارية وسياسية وظهور تاگوست لتعويضها. ومع نزول القبائل البدوية إلى عمق الصحراء وصراعها مع صنهاجة إيزناگن تأثرت لمطة/ إلمتين كثيرا وتراجع نفوذها وانكمشت على ذاتها، بعد حدوث تركيب اجتماعي جديد في صيغة "تاگنا" بفروعها المتعددة، لكن بقيت لمطة إلمتين متمسكة في لعب الأدوار التاريخية في التنسيق بين ما تبقى من فروع صنهاجة وبين امتداداتها شمال وادنول وفي جبال جزولة، لكن تحت اسم تحالف جديد هو آيت باعمران، وبذلك التفاعل التاريخي والمجالي حافظت آيت باعمران على مكانتها داخل الحلف السياسي والعسكري تاگيزولت للدفاع عن المصالح المشتركة ضد غزوات الشمال المخزن وتاحكات وضد غزوات الجنوب الطارئة لدى القبائل البدوية الوافدة.

بخلاصة، دراسة آيت باعمران كحلف سياسي أمازيغي صنهاجي قديم داخل تاكيزولت أو داخل تازروالت يقتضي استقراءه ضمن بنيات التاريخ الطويل وبمساعدة مناهج وعلوم أخرى ضرورية لادراك حقيقي وفهم موسع وشمولي لتاريخ المجال والانسان في آيت باعمران. ولن يستقيم ذلك إلا بقراءة تاريخ المجموعات البشرية الصنهاجية والبدوية وحركية تنقلها واستقرارها في المنطقة والصحراء بشكل عام.

عبدالله بوشطارت

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow