الاداب النسوي:تجارب ورهانات

الاداب النسوي:تجارب ورهانات
يؤسس كل نمط مجتمعي، تشكيله للجندر مذكرا ومؤنثا، بما ينسجم مع طبيعة القيم ونمط السلطة السائدة. وهو ما يجعلنا نجزم أنه لا وجود نموذج واحد للذكورة أو الانوثة. لكن هذا لا ينفي تقاطع مختلف النماذج في إنتاج وإعادة انتاج التحيز الجندري وكافة أنماط الهيمنة.
ونظرا لما يكتسيه البحث في بنيان الذكورة والأنوثة من أهمية، سنتوقف عند كتاب "الذكورة والانوثة في لبنان؛ دراسة في أوساط طلاب الجامعات بلبنان". لصاحبته غيدا ضاهر، الصادر عن منتدى المعارف، بيروت الطبعة الأولى 2011.
راهنت المؤلفة على دراسة الذكورة والأنوثة، من خلال بحث ميداني، عينته البحثية هي طلبة الجامعات بلبنان.
والمقاربة في هذا العمل، تنهل من البحث في التمثلات الاجتماعية representations sociales، أي أنه تناول الذكورة والأنوثة في لبنان كما يتمثلها المخيال،لا الواقع أي ملاحظة ودراسة حياتهم اليومية.
وتعرف التمثلات الاجتماعية بأنها شكل من المعرفة الفردية أو الجماعية تختلف عن المعرفة العلمية ولها جوانب ذهنية ونفسية واجتماعية متفاعلة فيما بينها.
كذلك تعرف على أنها أحد أشكال المعرفة، لمصاغة والمشتركة اجتماعيا. وتراهن على تحفيز بناء واقع تشترك فيه مجموعة اجتماعية. حيث من المسلم به أن التمثلات الاجتماعية تؤثر بشكل كبير في علاقتنا بالعالم، وبالآخرين. كما توجه وتنظم مختلف السلوكات والتواصل الاجتماعي.
وهو ما يجعلنا نقول أن التمثلات الاجتماعية التي قام الكتاب بدراسة الذكورة والأنوثة من خلالها، مكنت من تعقب طريقة التفكير في الواقع اليومي، وفي تأويله في أوساط طلبة جامعات لبنان كعينة بحث.
وارتباطا مع ما سلف فإن الكتاب ينقل إنتاجا ذهنيا اجتماعيا يختلف في نمط صياغته واشتغاله عن أشكال أخرى من التفكير الجماعي كالعلم والأساطير والدين والإيديولوجيا وبصورة أدق، ويمكن اعتبار التمثلات الاجتماعية معرفة الحس المشترك، والتي تبنى من أجل الممارسة وتساهم في تشكيل العديد من مناحي الحياة وأنماط التفكير.
استهل الكتاب باستدعاء لمختلف الصور والاحكام النمطية عن الذكورة والأنوثة ذلك من خلال التوقف عند عدة سمات تميز التمثل المعياري للجندر.
ولتحقيق هذه الغاية، توقفت الكاتبة على نماذج رائدة في الأدبيات السائدة، دون أن تغفل دراسة البناء الجندري في اللغة والبحوث الاجتماعية، لتعبر بعدها إلى تفكيك مختلف مضامين صفات الذكورة والأنوثة.
كذلك أشار الكتاب إلى الصفات المميزة والصفات المشتركة، والكيفيات التي يعبر من خلالها عن فقدان الذكورة والأنوثة، وارتباطات كل هذا بالثنائية الجنسية.
ومن منطلق ارتباط الكتاب بمحيطه السوسيوثقافي، كان لموضوع العذرية نصيب من الدراسة والتحليل.
في سياق دراسة غيدا ضاهر للثنائية الجندرية مذكرا ومؤنثا، استندت إلى الاشتغال على العمل، لتفسر التمثلات الإجتماعية له، من خلال قائمة تحدد مسبقا ما لا يناسب الذكورة والأنوثة من أعمال.
ومن الاشارت الهامة التي نراها إضافة نوعية في هذا الكتاب، هو تسليطه الضوء على المذكر والمؤنث حسب المنظور الجنسي والطائفي. بحيث أنصت بعمق لراهنية جدل الطائفية السياسية في لبنان.
إن التطييف يلقي بظلاله حتى على الذكورة والأنوثة. فمن خلال نتائج البحث الميداني الذي اجرته الكاتبة، تبدى بشكل جلي تدخل الانتماء الطائفي في تعريف هذين المفهومين، وفي توصيفهما، وفي اختيار نماذجهما كذلك.
وهذا التدخل حسب الكاتبة، يكشف أنه وراء الطائفية السياسية، هناك طائفية ثقافية أو ثقافة طائفية، وهي التي تُخضع الظواهر لرؤيتها.
حيث اختلف الطلاب المسلمون والمسيحيون في تحديد تمثلاتهم للذكورة والأنوثة. وهو اختلاف يحضر كذلك في الطبقات والفئات الاجتماعية أو بين الجنسين. ولكن في البحث لا يحضر وفق هذه المتغيرات، بل بشكل طائفي. الأمر الذي يعري واقع خطورة النزعة الطائفية، وانعكاساتها سياسيا، اجتماعيا وثقافيا.

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow