المرأة كما أحب أن أراها !

المرأة كما أحب أن أراها !

من خلال رحلة تأمل، وجدت نفسي أمام تصوُّر غير تقليدي للحياة والعلاقات بين الجنسين. بدأت بالتساؤل عن النماذج الاجتماعية التقليدية التي قد تضعني في إطار ضيّق وتُحدّد هويتي وأفكاري، كوني أبحث عن حرية حقيقية تتيح لي الانغماس في العلم والفلسفة والفن دون أن أتقيّد بتوقعات المجتمع.

وفي رحلة التأمل هذه، اكتشفت شخصية خيالية مُلهِمة اسمها "ليليث". حيث تمثل هذه الشخصية مفهومًا جديدًا للمرأة، حيث تبتعد عن دورها التقليدي ككائن متعلق بالتكاثر والاعتماد على الرجل. لم يكن هدفي من هذا الخيار أن أكون مُتمرّدًا، بل أن أجد مساحة تحتضن أفكاري وشغفي بدون تكليفات جسدية وعاطفية مُحدّدة، تلك الحرية المحدودة والمُكتَفَة بين ضلوع هاوتين، الولادة والعدم، أعطتني نظرة جديدة على العلاقات والحياة نفسها. 

وفي الحقيقة، لم تأتني يوماً أي رغبة مراهقة لأكون حاقدا منتميا لقطيع المانوسفير (mano-sphere) أو استمنائيا يائسا مثل كافكا وهو يشتكي لميلينا كمراهقة تزوج عشيقها صديقتها المقربة، ولا مبغضا للمرأة مثل نيتشه الذي لم يتقبل فكرة أن يتذوق رجال آخرون حلوى سالومي، ولا زوجا رافعا رايته البيضاء أمام زوجته البدينة مثل أرسطو بدعوى أن النساء أقل نبلا من أن يأخذن على محمل الجد، أما بوكوفسكي السعيد بحزنه ووحدته رغم كونها فكرة مغرية، لكن إيديولوجيات القرن العشرين شيء مختلف وقد يبدو تقليد الأمر مهزلة حقيقية غالبا ما تنتهي برجل سكران في زواج على شكل غلطة عمر من ثلاثينية يائسة.. و"ماخور سارتر" الذي أستدرج إليه تلميذاته ضدا على المجتمع الكلاسيكي ينتهي عندنا غالبا بمصاريف علاجية لقضيب مليء بالثقوب أو بموت درامي بالسفلس مثلما حصل ل"بودلير"، أما الغواني يغرهن الثناء ويتسكبن الخمر فيكتسبن وعيا بحقوقهن كفروج مستقلة قادرة على استعباد الرجل، وهكذا لجأن إلى بناء إمبراطورية سيكولوجية على أساس ديكتاتورية عضوهن المشقوق باعتباره رأسمال مادي.

من أعظم رغباتي يوما، هي ألا أكون جلادًا ولا ضحية، ألا أكون حبيسا في منزل صغير خانق مثقل بوجود امرأة حزينة تسعى إلى التوفيق بين نظرة المجتمع وسأمها مني والملل بسبب الروتين اليومي، وألا أكون عجوزا مسنا مقيدا بمراهقة تستهلك وقتي بأنانية وتنضج على حساب أعصابي، وما كنت أتوق إليه هو أن أكون "حرا" في إختيار قيودي. لم أدرك، في ذلك الوقت، أن هؤلاء "العظماء" الذين تفايدت محاكاتهم من أجل تجنب الظهور بمظهر السخيف، لم يرغبوا في شيء أعقد مما أردت: شكل محدود من "الحرية". لكن المرأة، بعقليتها التقليدية، كان لها رأي آخر، إذ يقتصر وجودها على فرملة تطور النوع البشري، فالمرأة بشكلها التقليدي لا تتصور نفسها تساهم في شيء ما يتجاوز نزعة التكاثر وفي أحسن الأحوال صناعة الخداع، لأن الطبيعة صنعت من أغلبهن غسالات صحون وأكياسا لحمل الأطفال.

 ما أفسخ أي علاقة خضتها في ما مضى لم يكن الخداع ولا الملل ولا عدم قدرتي على التعامل معها، بل مجرد مواقف عبثية كنت محظوظا بحدوثها لإنهاء كل تلك المهازل، ولربما الدافع العميق كان هو ارتياحي للعزلة والهدوء، للأيام الصيفية الحارة مع كتاب أو سفر مفاجئ أو مغازلة قنينة خمر حتى الفجر دون محاولة تحمل ثرثرة أحد، لم أفهم دوافعي فسقطت في ما سقط فيه الجميع، أن أكون جلادا وضحية، إذ فهمت الدرس، لكن متأخرا نوعا ما: لا يمكن الجمع بين المرأة والعزلة والمعرفة.

أما ليليث كشخصية متخيلة، فهي تجسد مفهومًا لم يخطر ببال نيتشه يوما ولا ظنه توماس بيرنهارد ممكنا، شخصية جذابة تثير الفضول حول أهمية التحرر من القيود المفروضة علينا وتسمح لنا بالاستمتاع بالحياة بكاملها واكتشاف ذواتنا بمفردنا، تنبض بالثقافة والعلم والفلسفة، تتجاوز حدود المألوف وتتحدى التوقعات، تتمتع بفكر عميق يسعى لفهم أسرار الكون وأعماق الإنسانية، تكن للمعرفة والتجربة اهتمامًا عميقًا، وتسعى لتحقيق التوازن بين حياتها الداخلية والخارجية، تتحدى الأفكار التقليدية للجمال والجاذبية الجسدية، تؤمن بأن الجمال الحقيقي يكمن في العقل والشخصية، وهذا ما يجعلها تبرز بشكل مميز في عالم مليء بالتصنُّع والانحصار بالمعايير الجمالية المفروضة. تتميز بقدرتها على التعايش بكل طبقات الواقع، فهي تمتلك نظرة نقدية تجاه المجتمع والنمط الحياتي الاعتيادي، تتجنب التكيُّف مع المعايير الاجتماعية السائدة وتسعى لتحقيق استقلالها وحريتها الشخصية. لا أعتقد بوجود امرأة مثل ليليث، إذ يبدو من المستحيل أن يكون للمرأة إيمان بلا جدوى التكاثر والتملك وذوبان الذوات في بعضها البعض، أن تكره الحياة وتحبها، وترغب في الهرب من نساء العالم الثالث ورجاله المعوقين، أن تحب حريتها المحدودة.

أما ما استوعبته يوما عن علاقة الحرية والمعرفة بابتزاز النساء اللواتي لا تملكن شيئا غير فروجهن ظل قائما دائما، لكن الاستمتاع بالحرية والعزلة والمعرفة بالإضافة إلى رفقة ليليث الخالية من الكلسترول وحضورها المخاتل شيء يستحق التجربة. أليس وجودنا "حَياةٍ توزّعت على شاهق هاويتين: الولادة والعدم"؟ كل ذات تدرك هذا المعطى الخالي من الزيف والميتافيزيقا تعلم أن وجودها مجرد تجارب عابرة، مع سحر المعرفة ودهشة السفر وغواية الآخر. ليليث تدرك كما أدرك أننا لسنا في حاجة لأن نبدو في عيون الآخرين جميلين ولا ملتزمين بمسار العلاقات كما رسمتها التقاليد وكما ألحت عليه الغريزة، هي اكتسبت حسا غريزيا بأن كل شيء مؤقت وعابر وأن الدوام لوجه العدم فقط. ذلك يجعلها في نظري شخصية روائية أكثر منها كائنا واقعيا، والشخصية الروائية ماهي سوى كائن من الورق على حد تعبير رولان بارت، والمثير في الأمر أنها شخصية روائية لم توجد بعد في مخيلة أي روائي يتغنى بالحب.

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow