كيف تربي طفلك على التعامل مع الفشل ؟

كيف تربي طفلك على التعامل مع الفشل ؟

الروح القتالية التي نحتاجها لأجل العيش، تُبنى عبر مسار طويل من عمر الإنسان، يبدأ منذ الطفولة المبكرة ويستمر إلى فترات متأخرة من الشيخوخة. 
لذلك يرى أبيقور أن كل الأعمار مناسبة لتعلم فن الحياة، أي الفلسفة.
التمارين المبكرة كثيرة، من بينها على سبيل المبدأ:
حين يقع طفلك على الأرض وتشجعه على النهوض بنفسه بدل أن تولول من حوله، فإنك تزرع فيه بذور الروح القتالية التي تتطلبها الحياة. 
حين يخفق طفلك في لعبة أو رياضة أو دراسة فتشجعه على النهوض بنفسه دون أن يرى في وجهك علامات الأسى أو العتاب، فإنك تزرع فيه بذور الروح القتالية التي تتطلبها الحياة. 
حين تشجع أبناءك على مواجهة لحظات الألم والمرض والخيبة بأقل ما يمكن من الصراخ والأنين فإنك بذلك النحو تزرع فيهم بذور الروح القتالية التي تتطلبها الحياة.
تلك التمارين ليست صعبة على الأطفال غير أن الآباء والأمهات يستصعبونها في معظم الأحيان. لذلك لا يفلح "ابن أبيه" كما يقال في المجتمعات الأوروبية، ولا "ابن أمه" كما يقال في المجتمعات الشرقية. 
ليست المهمة سهلة على الآباء والأمهات، كما أن فاقد الشيء لا يعطيه، إلا أن الغاية تستحق المثابرة طالما الحياة سقطات تتخللها نهضات.
في السنوات التي أمضيتها في التدريس، أكثر ما كان يخيفني هو أن أرى تلميذا لم يتعرض طيلة مساره الدراسي لأي نوع من الفشل، حيث لا أكون متأكدا من أنه يعرف كيف يفشل؟ أي قد لا يعرف كيف ينهض من السقوط حين يسقط. فربما سقطة بسيطة تقضي عليه في أي لحظة.
من لا يسقط لا تتاح له فرصة تعلم النهوض، كما أن الروح القتالية لا تُبنى إلا في سياق تجارب السقوط المتتالية. ذلك أن عدم وجود أي سقوط أو إخفاق معناه عدم وجود أي خبرة في التعامل مع خيبات الحياة.
تتمثل الروح القتالية في الاستعداد الذهني النفسي والجسدي للسقوط ومعاودة النهوض.
إن أول درس تقدمه الرياضات القتالية اليابانية للمبتدئين هو التعامل مع السقوط الجسدي.
إن أول درس تقدمه الفلسفة الرومانية للمتعلمين هو التعامل مع سقطات الحياة، سقطات الفقد، الإفلاس، الخيبة، الإخفاق، وغيرها.
شاهدتُ في إحدى البرامج العسكرية ضابطا في الجيش الأمريكي يطبق تعاليم الرواقية في تعليم الجيش كما يقول بنفسه، لا سيما في مواجهة التجارب الأكثر قسوة، وقد سمعته يقول: إذا أصابتك رصاصة فلا تقل، لقد قضي عليّ. 
العبرة في ذلك أن الإنسان حين يتلقى طعنة، فإن رأيه في تلك الطعنة قد يساهم في القضاء عليه، وأحيانا بنحو حاسم. يصدق ذلك على طعنات الجسد كما يصدق على طعنات الوجدان.
هناك من نجا من عشر طعنات قاتلة، وهناك من أهلكته طعنة واحدة بعد أن اقتنع بأنها قاتلة. عندما يستسلم الذهن يستسلم الجسد. صحيح أن القدرة الذاتية للجسد على التعافي تختلف من شخص لآخر، إلا أن قدرات الجسد لا تحددها اللياقة وحسب، بل تساهم فيها الأفكار التي يستدمجها الجسد انطلاقا من تصورات العقل.
يحكى عن الفيلسوف سينيكا أنه بعد الحُكم عليه بالإعدام، تأخر عنه الموت كثيرا حتى بعد أن تجرع السم ثم مزق شرايينه تنفيذا لحكم الإعدام. كان جسده يعاني من الضعف والوهن، إلا أن مصادر طاقة الجسد لا تنحسر في الجسد، بل تشمل العقل أيضا. 
المعادلة هنا أن شجاعة الموت قد تؤخر الموت، وأن الشجاعة مكانها العقل كما يتفق كل الفلاسفة اليونانيين والرومانيين. 
إذا كنتَ تمارس إحدى الرياضات القتالية فأمامك نصيحة ثمينة: في النادي الذي تتمرن فيه ابحث دائما عن الشخص الذي يهزمك بسهولة. سيهزمك عشر مرات في المتوسط، أو مئة مرة في أقصى الحالات، بعد ذلك لن يهزمك أبدا. ذلك أنك مع كل سقطة كنت تكتسب مهارة جديدة.
وهكذا أقول لك:
الحياة مقاومة لا يمكنك أن تراهن فيها على أي نصر نهائي، بل كل ما يمكنك الرهان عليه هو تحسين شروط المقاومة من جولة إلى أخرى، وإلى صافرة النهاية التي لا ينبغي أن تلقاك ساقطا على الأرض، وذلك حفظا لكرامتك الإنسانية. 
قبل أن تكون الكرامة مطلبا حقوقيا فإنها واجب وجودي أوَّلًا.
لا تنس ذلك.

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow