في مثل هذا اليوم؛ 15 نونبر 2003، رحل الأديب العالمي الريفي محمد شكري، رحل وقد فاته الأمر ليكون ملاكا.
محمد شكري ليس فقط ذاك الروائي الذي أبدع في تصوير سيرته الذاتية في كليشيهات مرئية استطاع ان يوصلها للمتلقي صورا متحركة لنصوصه المكتوبة...
شكري بصق في وجوهنا جميعا يوم كتب، وعلمنا معنى أن يتصالح الفرد مع ذاته لدرجة اللعب على المقموع وترويض الطابو والمدنس في تمثلات الجماعة بجعله بطل النص وإخراجه للواجهة. كان بإمكان شكري أن يجعل من شكري الخبز الحافي شخصية متعالية بتعطيرها بحمولة النفخ في الأنا عكس شكري القاع وشكري البئيس وشكري الذي تألم مرتين، مرة يوم عاش الأحداث ومرة اخرى يوم وثقها بالكتابة كما حدثت.
كان بإمكان شكري أن يجعل زمن الأخطاء في شكل آخر ويتحدث عن شكري الذي أراده أن يكون وليس شكري الذي كان بكل دقة وتدقيق و صدق دون خجل مما عاشه وعايشه، ويجعل من الخيمة والسوق الداخلي روايات الحاكي وليس السارد ..
شكري كان سوسيولوجيا بتشريح كل الاعطاب الاجتماعية وإخراجها للعلن بدل تركها مرتكنة في العقل الباطن الريفي، وكان مؤرخا وثّق كل التفاصيل التي عايشها في ايت شيشار وتطوان وطنجة، شكري هو الجانب المظلم فينا الذي نحاول قدر الإمكان قمعه بالسعي لإخفاءه للحفاظ عن صورنا المثالية الزائفة والنمطية التي نعلّبها ونسوّقها للآخر قصد إبهاره قصد لفت انتباهه، ذاك فقط لأننا ضحايا سلطة المرآة العاكسة، شكري تعايش مع خدوشه الحياتية وأقر بها عكسنا نحن الذين نخفيها قدر الإمكان ..
كان بإمكانه ان يكون شكري شكريا آخر يتماهى مع ماركوتينغ الصالونات الأدبية، لكنه كتب لنفسه وكان شاهد عيان على حادثة تاريخية اسمها سيرة وحياة محمد شكري بكل تفاصيلها وسوادها و تناقضاتها وتصارعات الكبت والارادة والتفاوتات الاجتماعية والتأثرات النفسية، فهو بذلك يشبه قليلا فريديريك نيتشه فكلاهما تطلعا للانسان السامي والراقي، غير ان شكري كان هو التنزيل الواقعي لسوبرمان من نوع خاص ذو إرادة القوة الذي تفلسف من اجله نيتشه ..
صدق وجرأة قلمه أسالت عنه الكثير من المداد وخصوصا من الرخ و بنجلون اللذان ظلا يعانيان من عقدة شكري ولم يجدا تفسيرا للسؤال " كيف لهذا الوبش الريفي البدوي ان يصير عالميا ؟ " ظل السؤال يقض مضجعهما، وعلى السؤال ذاته تبول شكري بالكتابة كما يريد هو و ليس كما أرادوا و أُريدٌ له، فلو فعل العكس لكان الخبز الحافي امبورغا ولكانت ليالي زمن الاخطاء ليالي أنس خُلدية وشهرزادية بدل ان تكون ليالي القاع التي كانت حانة الروبيو وشوارع طنجة وأزقتها و ماخوراتها و قاعها بأكمله هي مادة شكري الخامة الادبية ومسرحا لأحداث واقع متناقض ومتداخل يمثل توصيفات البؤس وتناقضات الحياة وتصادمات اللاهثين وراء زيف المثالية من أسفل درك المجتمع و قاعه لاسيما أن تكون ريفيا أرغمتك الحياة ان لا تستقر و أن تشعر بكهولتك وأنت لازلت طفلا كشكري ...
شكري الصعلوك الذي خُذل حيا وميتا، فقط لأنه ابن هامش اعتبره المركز وافدا غير مرحب به بل ومغضوب عليه بل ومزاحما لمحتكري إيتيكيا الصالونات من أهل الرباط وفاس الذين اعتقدوا أن الأدب لا يولد إلا في كنفهم.
الخلود لشكري الذي لم ولن يموت...
0
0
0
0
0
0
0