الحسناوي : بعد بيانه الأخير هل عاد حزب "البيجيدي" السلفي لجذب أصوات المواطنين عبر الترهيب الديني

هل إله البيجيدي إله أحول؟
المتابع لتدويناتي، يعرف أنني لا أنتقد حزب العدالة والتنمية إلا نادرا جدا جدا جدا.
وفي كتابي الأخير المعنون ب"قصة الإسلام الانقلابي في المغرب"، لم أتطرق للحزب ولم أدرجه لا ضمن الجماعات الانقلابية ولا المتطرفة.
ذلك أنني أعرف أنه حزب سياسي، يجمع خليطا من الإسلاميين بخلفيات ومعتقدات وتصورات مختلفة، يشتغلون ضمن إطار وسقف قانوني وسياسي، لن يتجاوزه، ولن يستطيعوا حتى لو أرادوا.
قلت إن الحزب يجمع خليطا من الإسلاميين، لأن الأساس الذي يجتمع عليه الناس في الحزب، ليس هو العقيدة والفكر، وإنما المشروع والبرنامج السياسي. (في التجارب المحترمة طبعا، أما عندنا فممكن أن يجتمعوا أيضا على الأهداف والمصالح الشخصية).
لذلك سنجد ضمن هذا الحزب ذوي الخلفيات السلفية الوهابية والأشعرية، والقطبية والسرورية، والصوفية والقرآنية والاعتزالية... وربما حتى الشيعية...
أما ذراعه الدعوية، فإنها تتجه نحو التسلفن، خاصة في السنوات الأخيرة، بعد أن أوكلت مهام التأطير التربوي، والدروس الدعوية، لعدد من الشيوخ السلفيين من داخل الحركة، ومن وخارجها، والأغرب أن بينهم سلفيين جهاديين.
لذلك فإن الرائحة السلفية تكون نفاذة بين الفينة والأخرى، في بعض مواقف وبيانات وبلاغات الحزب.
وأعتقد أن أفتاتي خانه التعبير أو تحرج منه، عندما وصف بنكيران بأنه صوفي، وكان الأحرى به أن يقول إنه سلفي.
مناسبة هذا الكلام، هو "البلاغ الزلزال"، الذي أحدث هزة قوية في بيت البيجيدي، أسقطت أحد أعمدته، وألحق أضرارا بأخرى، وترك ساكنيه في حالة من الفوضى، وغالبا سيخر عليهم السقف من فوقهم.
من حق الحزب أن يعبر عن قناعاته وتصوراته ومعتقداته، إن صح أن نقول إن للحزب عقيدة، وأيضا إن استطاع ذلك الخليط المتنافر عقديا، أن يعبر عن عقيدة واحدة.
ومن حقه أن يؤطر الناس، ويدعوهم لأفكاره.
بل من حقه أن يعطي تفسيراته الدينية للظواهر والأحداث...
لكن من حقنا أيضا، أن يشرح ويبين ويفسر لنا، بالأدلة الواضحة، العلاقة بين هذا وذاك، وإن كان هناك تناقض ولبس، يرفعه عنا، ولايلقي الكلام على عواهنه، لأنه لايخاطب قطيعا من الأميين الجهلة، ولا مريدين في حركته.
فهل يستطيع الحزب أن يشرح لنا، لماذا إلهه عاقب أبرياء، بدون جريرة اقترفوها؟
أنا لا أقصد الخالق الحقيقي للكون، الذي يستحيل أن يتصرف بهذا المنطق البشري الصبياني.
ولا أقصد إله غالب المتدينين، الذين يفرقون في الكوارث، بين ما هو عقاب، وما هو ابتلاء...
ولا أقصد حتى إله عوام المسلمين، الذين لاينسبون له هذا العبث، أو يعتبرون قوانينه وسننه الكونية، مجرد انفعالات إلهية صبيانية.
أنا أقصد إله حزب العدالة والتنمية تحديدا، الذي تعرفنا عليه من خلال بلاغهم، عندما أخبرونا أن الزلزال، هو عقاب إلهي، سببه الفساد السياسي، والذنوب السياسية !!
المعروف بالبداهة والعقل والمنطق، أن العقاب يقع على المذنب، وهذا من تمام العدل والرحمة.
لكن دينيا يقنعونك أن العقاب يقع للمذنب وغير المذنب جميعا، لأن الإله لايستطيع التقاط المذنبين والطغاة، من وسط آلاف البشر، فيضطر، لضرب البلاد بأكملها، فيأخذ هذا بجريرة ذاك، ويبررون ذلك بأن الإله يعاقب الأبرياء، لأنهم رضوا أو سكتوا عن الباطل.
أليس غريبا هذا التبرير؟؟
وماذنب من لم يسكت فاستنكر ورفض الباطل والظلم، ومع ذلك، ذهب مع الضحايا؟؟
يقولون لك سيبعث على نيته!!!
وما ذنب أبنائه أن يفقدوا أباهم، رغم أنه لم يظلم ولم يسكت عن الظلم؟؟
لن تجد جوابا نهائيا،وإنما الترقيعات المضحكة، التي تنطلي على من باع عقله لتجار الدين.
ورغم ذلك فإن هذا الخيار، وأقصد أن ينزل الإله عقابه، ولايفرق بين الظالم المفسد، والبريء غير المتورط، هذا الخيار ممكن تقبله، وغض الطرف عنه.
لكن الخيار المضحك المبكي، هو الذي اقترحه علينا حزب العدالة والتنمية، وهو خيار لم يسبقه إليه أحد.
وخلاصته أن الإله يرى الفساد والظلم، وعوض أن يعاقب المفسدين والظالمين لوحدهم، أو يعاقبهم ويعاقب معهم الأبرياء.
عوض ذلك، يترك المفسدين والظالمين، ويعاقب الأبرياء، الذين لاعلاقة لهم. يعاقبهم لوحدهم دون غيرهم.
فأي إله هذا؟؟
إلا إذا كان إلها أحولا أو أعورا.
أو كان إلها ظالما شريرا.
أو إلها عبثيا.
لايمكن لبشر ظالم، بل لأشر البشر على وجه الأرض، أن يفعل هذا الفعل الأحمق، إلا إذا كان مجنونا.
فكيف ينسبون هذا الفعل، لإله يصفونه بالعادل والرحيم والحكيم...؟؟!
لن تجد جوابا إلا التخبط والتناقض.
بحسب الحزب، تعاني البلاد من فساد سياسي على مستوى المؤسسات، ويمارس السياسيون ذنوبا سياسية كثيرة، من تزوير ورشوة وإخلاف للوعود وسرقة المال العام...
والإله عوض أن يوجه سهامه لمقرات الأحزاب وللبرلمان ومقر الحكومة، وللأمناء العامين للأحزاب والقادة السياسيين...
اختار توجيه سهامه لأكواخ طينية، ومعاقبة مواطنين هم أنفسهم ضحايا الفساد السياسي.
فأي رسالة أراد أن يوصلها هذا الإله، وهو يقتل سكان الجبال، انتقاما وعقابا من ساسة العاصمة الفاسدين، الذين لم يصبهم بسوء؟؟
أليس هذا إلها أحولاً، إله البيجيدي هذا؟؟
أم هو إله حگار، يستعرض عضلاته على المواطنين الضعفاء، ويخاف من الساسة وأصحاب السلطة؟؟
أم أن الخالق بريء من هذا الفهم الأعوج، ولا علاقة له بهذه التفسيرات وهذا التوظيف السياسي.
لكن الأخطر من هذا التوظيف، هو أن يكون قصد الحزب، أن هذا عقاب إلهي، لمن لم يصوت على الحزب، من المواطنين.
وأن أي تصويت على غير البيجيدي، فهو ذنب سياسي، عقوبته من الله، الزلازل والخسف بالمواطنين، الذين صوتوا على أحزاب أخرى، وبأبنائهم ومنازاهم وماشيتهم...
حينها لن يكون الإله أحولا، بل سيكون إلها بيجيديا، مناضلا في صفوف الحزب، وببطاقة العضوية أيضا.
مصطفى حسناوي
ما هو رد فعلك؟






