عندما غضب الحسن الثاني على تطوان و هدم معلمة تاريخية وازنة

عندما غضب الحسن الثاني على تطوان و هدم معلمة تاريخية وازنة

٢
في ذكرى وفاة الحسن الثاني ، بعض أصدقاء الفيسبوك الظرفاء الذين ضاعوا في الحلقة الأخيرة من داي الشجاع ليلة وفاته يتحدثون عن كاريزما الملك الراحل الذي لم يعرفوه إلا في الصور .....  لا أعرف صراحة معنى الحديث عن الكاريزما في حياة سياسي ما دون الحديث عن نتائج حقبة كاملة من حكمه .......

الحسن الثاني كان ملكا شموليا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، صحيح أنه واجه الكثير من الصعوبات خلال سنوات حكمه كان اغلبها في مواجهة الجيش " البعبع الذي ورثه عن مدرسة اوجين رينيو " ،  و أقلها في مواجه‍ة الأعداء الايديولوجيين ، و لكنه كملك ديكتاتور يمسك كل السلط بيد من حديد لم يكن على الإطلاق ديكتاتورا مستنيرا يحمل مشروعا اجتماعيا او اقتصاديا او سياسيا معينا يهدف إلى نقل المغرب نقلة نوعية في المستقبل ......  كان العاهل الراحل يضع نصب عينيه تقوية دعائم النظام و الحفاظ على ملكية تعد من أقدم الملكيات في العالم ، و لأجل هذا الهدف جمع في سنوات حكمه بين عقلنة السياسات الخارجية  و كسب الأصدقاء الدوليين و قد نجح في هذا إلى حد بعيد ، و بين الحزم في السياسات الداخلية و هندستها بطريقة ذكية جعلته لا يضطر يوما لتقديم أي تنازلات " لم تكن تجربة التناوب التوافقي تنازلا على الإطلاق " ..... أما مدخرات المغرب فقد تحول أغلبها إلى ثروات شخصية و هدايا و ترضيات مناطقية و سياسية .... 

قبل تولي الملك محمد السادس عرش المغرب ، قبل سنة 1999 ، كانت علاقة التطوانيين ( مثلا ) بالملكية مثل علاقة الانسان بأجهزته الحيوية ، يدرك أنها موجودة و متحكمة فيه ، و لكن لا يراها ... الحسن الثاني كان أقرب للأسطورة منه لملك يدير الشأن العام للبلاد ... كان اسمه يتردد عادة محاطا بالكثير من الرهبة و الغموض و الكراهية .... 

 الحسن الثاني لم يزر تطوان رسميا الا مرة و هو ولي العهد ، و هناك حديث عن زيارة أخرى حولها علامات استفهام ، زيارة قيل عنها الكثير و تم الاستعداد لها و لكنها لم تتم أبدا !  .... 

زاد توتر العلاقة بعد أحداث 1984 الكارثية و خطاب الاوباش ، الملك الحسن نعت جزءا من شعبه بالأوباش الذين يقتاتون على التهريب و السرقة و المخدرات دون ان يعلم انه يدين نفسه بهذا الكلام قبل ان يدينهم ، ناس تطوان و الناظور و الحسيمة و القصر الكبير ، أما مراكش التي عرفت بدورها نفس الأحداث فقد عاتبها عتاب الأحباب ، كنت جاي لعندكم و ما بقيتش جاي !! .... 

كان انتقام العاهل القوي من تطوان تحديدا تهميشا ممنهجا ، استمر سنوات طوال ، قام بعدها بانتقام آخر رمزي و لكنه خطير ، انتقام يمس الذاكرة ، و هو هدم ساحة الفدان التاريخية ليبني مكانها قصرا لم تطأه قدماه إلى نهاية حياته .....
 أما ملف ضحايا الأحداث نفسها فلا يزال غامضا لحد الساعة ، لم يكشف عن عدد قتلى الرصاص الحي و لا عن المختفين ، و لا مكان المقابر الجماعية ، و لم تتجرأ هيأة الإنصاف و المصالحة نفسها على نبش هذا الملف لينضاف الى ملفات أخرى كتب لها أن تظل عالقة إلى الأبد ..... 

 شخصية الحسن الثاني بقدر ما كانت غامضة و مخيفة بقدر ما كانت كريهة في الذاكرة التطوانية .... انا شخصيا لم أتأكد أن الحسن الثاني موجود فعلا خارج نشرة الاخبار و طوابع البريد إلا حينما شاهدته مباشرة في الرباط خلال استقباله لجاك شيراك سنة 1995 ، لا زلت اذكر بذلته البيضاء و نظراته و ابتساماته المليئة بالدهاء مقارنة مع وجه جاك شيراك " العبيط " .... كان شيراك يفوقه طولا بشكل لافت ، في اشارة فيزيولوجية للعلاقات شمال - جنوب .....

 بعد تولي محمد السادس للعرش أصبح الملك شخصا مجسما عند التطوانيين و أهل الشمال عموما ، ملك يأكل الطعام و يمشي في الأسواق ، هذا الاختلاف الصارخ بين نموذجي الملكين أحدث الفارق فعلا ، كسب الملك الشاب قلوب الكثيرين ، و احتاج الأمر إلى سنوات طويلة لكي يتجاوز الناس دوار انتقال السلطة بين ملكين ....
 
الآن بعد مرور 24 عاما ، و لأول مرة ربما نلاحظ أن جودة الاخراج تدنت كثيرا و ان جيلا جديدا سئم من الهتافات ، جيل نسي ( حلقة داي الشجاع الأخيرة ) و بدأ يتساءل بذهول ، و ماذا بعد ؟  ..... 

( الصورة لأنقاض معلمة الفدان التي بني مكانها أحد المشاوير السعيدة الممتدة على طول تراب الوطن )

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow