عبد الواحد رفيقي ردا على القواعد المجحفة للمنظور الديني حول بعض قضايا الدين

عبد الواحد رفيقي ردا على القواعد المجحفة للمنظور الديني حول بعض قضايا الدين

أثار أحد المتدخلين خلال الندوة التي عقدها حزب الحركة الشعبية يوم أمس بالرباط حول الأمن الروحي اعتراضين حول موضوع الندوة:
الأول: أنه يجب أن توضع معايير محددة لمن يتحدث في قضايا الدين، شبيهة بمعايير التحكيم الأكاديمية المعتمدة في مجامع العلوم سواء منها الإنسانية أو الحقة، حتى لا يتكلم بزعمه من ليس له الأهلية في قضايا الدين وإشكالياته.
الثاني: أن من يناقش قضايا الحريات الفردية و تعديلات مدونة الأسرة فلا يحق له الحديث عن الثوابت وعن الأمن الروحي، لأنه برأيه يروج لشذوذ خارج عن الثوابت.
ورغم أن المتدخل مارس (التقلاز من وراء الجلابة) ولم يسعفه مكان اللقاء ولا هيبة الحضور من أن يكون شجاعا في توجيه الحديث لي بشكل مباشر، ورغم أني قد أجبته ب (شي بركة)، إلا أني أحببت التعليق هنا حول هاتين النقطتين، لما فيهما من لبس ووهم عند كثير من الناس..

ابدأ بالنقطة الأولى والتي لا تعنيني في شيء، لأني ابن الميدان وقضيت أربعين سنة من عمري في غماره، ونلت شهادات وتزكيات الفقهاء في مشارق الأرض ومغاربها، وزادتني تجربة السجن اطلاعا وتعمقا وبحثا في كل المعارف الدينية وغيرها، ولي مقالات بعدد من المجلات المحكمة، فلست معنيا بهذه الملاحظة، قد يكون معنيا بها من يتكلم في قضايا الدين وهو متخصص في الاقتصاد، أو معلم أو أستاذ لللغة الفرنسية، ولكن مع ذلك لا بد لي من بيان بعض النقاط:
أولا: الخلط بين المعرفة الدينية المعتمدة على الحفظ والتكرار واجترار ما كتبه السابقون ونقل أقوالهم وشرحها وكتابة الحواشي عليها، فهذا لا يسمو علما أصلا، ولا يدرج ضمن العلوم حتى نتحدث عن طرق مراجعة الأقران للأبحاث العلمية، هذه محلها العلم المبني على الاختبار والتجربة والنقض، ومحلها النسبي وليس المطلق، ومحلها النظريات البحثية، وليس المحفوظات ولا الغيبيات ولا النقل، هذه معارف دينية لا تنتمي لجنس "العلم" المتعارف عليه في كل المجامع العلمية بالكون.
ثانيا: يجب التفريق بين الفتوى والبحث والرأي، فالفتوى للمؤسسات، والبحث للمختصين، والرأي هو لعموم الناس وليس حكرا على طائفة مختصة، فلا كهنوت في الإسلام، خاصة وأن القضايا التي يتحدث فيها الناس تمس حياتهم وأموالهم وشؤونهم فكيف لا يتحدثون عنها ولا يعتنون بها؟ 
ثالثا: الغريب أن من يشترط مثل هذه الشروط الغريبة في المتكلم عن الدين، خليط من التخصصات البعيدة عن الدين، ممن درس الاقتصاد لمن امتهن الصحافة لمن يعلم الفرنسية لمن لم يتجاوز التاسعة إعدادي، لا حرج أن يتكلموا في الدين ما دام رأيهم يتفق مع توجهنا الإيديولوجي، وسنصفق له وسنصفه بالشيخ والعلامة والفقيه والحجة، وإن خالف رأينا فسنجرده من كل صفة حتى لو كان من أهل الشأن، وسنعتبره دخيلا ومتطفلا ولا حق له في الحديث حتى لو كان أكثر منا سعة واطلاعا… بئس ما تحكمون..

القضية الثانية التي أثارها المتدخل هي أن من يتحدث عن قضايا الحريات الفردية ومدونة الأسرة لا يحق له الحديث عن الثوابت والأمن الروحي، وهذا تعليق مضحك وبئبس، أصله عدم التفريق بين الثوابت الوطنية والثوابت الفقهية، فما هو ثابت فقهيا ليس بالضرورة ان يكون ثابتا وطنيا، وما كان ثابتا وطنيا ليس بالضروة أن يتفق مع الفقه، مثلا أجمع المغاربة على التحاكم إلى القوانين الوضعية، واستبدلو الأحكام الفقهية في الجنايات والعقوبات والمال وغيرها من القوانين بقوانين حديثة يرفضها غالب الفقهاء، ومؤسسة إمارة المؤمنين بكل رمزيتها الدينية من أشرف على هذا الاستبدال، ووافقت على ذلك المؤسسات الدينية الرسمية بكل فقهائها، حتى اعتبرت أمرا غير قابل للنقاش، فليس كل ما يرفضه الفقه التقليدي يعد من الثوابت..

ولأن المغرب انفتح في قوانينه على المقاصد الشرعية وفتح أبواب الاجتهاد، والتشاور والحوار مع كل الفعاليات المعنية كما في نفس الكلمة الملكية التي يستشهد بها عن تحريم الحلال وتحليل الحرام، فلذلك كان النقاش عن قضايا الأسرة والحريات في إطار مقاصد الشريعة وفهم الواقع أمرا مشروعا، بل مطلوبا ومستحبا، ولا خروج فيه عن أي ثابت.
لكن العجيب في الموضوع أن من يتحدث عن الثوابت والأمن الروحي هم من عاثوا فسادا في الأمن الروحي للدولة لعقود من الزمن، هم من حارب الثالوث الديني المغربي فاعتبروا الأشعرية عقيدة ضالة والمذهب المالكي تعصبا مقيتا والتصوف الجنيدي انحرافا سلوكيا، هم اليوم من يتسمحون بالدولة ومؤسساستها ويطلبون ودها، ويحاولون التوفيق بين مرجعيتهم الوهابية المتطرفة و خصائص التدين المغربي، في لعبة مكشوفة وتقية مفضوحة، من يستجدي اليوم بالفقه المالكي ليوظفه لايديولوجيته المستوردة هو من كان إلى عهد قريب يجيش الشباب لنبذ الفقه المذهبي والعودة ل "السلسلة الصحيحة" و "السلسلة الضعيفة"..

من أفسد الأمن الروحي هو من حارب التدين المغربي في المساجد والمنازل والجنائز والأفراح، بدعوى البدع والمحدثات، من بدع قراءة القرآن جماعة والفاتحة جماعة وطقوس الجمعة والتهليل مع الجنازة، وأدخل مصطلحات دخيلة من قبل الاختلاط و المصافحة وغيرها بدعوى مخالفة الشرع والسنة.
من أفسد الأمن الروحي هو من حارب التصوف بكل مدارسه، واعتبره فسادا في العقيدة وانحرافا في السلوك…

من أفسد الأمن الروحي هو من حارب من أجل السماح لمؤسسات بنكية لا فرق بينها وبين التقليدية الا في نسب الفوائد المرتفعة، بدعوى أنها إسلامية وشرعية
لا تغرنا نحن العارفين بكل مسار تيارات الإسلام السياسي هذا التمسح بثوابت الدولة أو بمؤسساتها الدينية، فلا يعنيكم منها إلا ما توظفونه لخدمة أهدافكم الإيديولوجية، بعد أن ضاقت السبل بعد ماي 2003، فتحولتم بقدرة فادر إلى مدافعين عن الأشعرية والمالكية.

أختم هذا التعليق بقصة طريفة حصلت معي شخصيا: لما كنت شيخا معتبرا عند أصحابنا كان أحدهم وهو اسم معروف إذا سئل عن قضية متعلقة بأحكام المواريث استنجد بي، لما يعلم عن جهله بالموضوع وضبطي الشديد له بحكم تخصصي بكلية الشريعة، كم أضحك اليوم وأنا أراه في بعض المقاطع يتحدث عن أني لا يمكن أن أتحدث في أحكام المواريث لأني جاهل بها… ياك ألمرضي؟ 

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow