بنميلود يسرد معاناة الطفولة في مدرسة الزرواطة

بنميلود يسرد معاناة الطفولة في مدرسة الزرواطة

كنعاود نرجع بذاكرتي لمرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية وأعتقد أن جل عقدي النفسية الخطيرة تشكلت في هذه المرحلة.

أولا الفياق بكري في فصل الشتاء وأنا طفل غير سمين فيا غا جوج عظيمات بمعنى ما عنديش ذهون لمقاومة الصقيع. هاد الفياق بكري باش نمشي للمدرسة كنقفقف زيد عليه صوت الراديو لي كيشعلو الوالد باش يسمع أخبار السابعة صباحا المرعبة زيد عليه ريحة أتاي مشحر زيد عليه الصوت ديال الكحة ديال شي عجوز دايز مع الزنقة مكيجيه يكحب حتى كيوصل حدا الشرجم ديالكم. هادشي كامل إضافة إلى القلق النفسي لي كيسيطر عليك ونتا كتفطر وعارف أنك لبارح بليل بقيتي كتلعب وما خرجتيش التمارين وأستاذة اللغة الفرنسية النحيفة جدا والمسمومة جابت ليها تلميذة أنحف منها وحولاء تضع نظارة قاع الكاس ومجتهدة، جابت ليها تيو جديد خضر ومضوبل من لداخل باش تسلخنا..
أعتقد جازما أن حتى نزلاء سجن تازمامارات مكانش عندهم هاد الرعب الصباحي لي كان عندنا في سنوات الرصاص وحنا غادين للمدرسة.

من أنواع الفأل السيء أيضا فدوك الصباحات هو تلقا عصفور ميت حدا الطروطار وفازك ومقلوب على ظهرو ورجليه كارمين. كتحس مباشرة أن يوم التعذيب سيكون طويلا وأن المعلمين الجلادين سيسلخون جلودنا الطرية بمتعة منقطعة النظير.

ثانيا، من غير الفياق بكري، الخامسة مساء فالقسم فاش كطيح الضلمة بكري ففصل الشتاء وكيتظلم القسم وكلشي كيتفوه والمعلم بيده الغليظة كيكتب بالطباشير فالسبورة بعنف وكتسمع نتا بقلبك العصفوري الصغير داك الخبيط ديال الطبشور مع السبورة. طق طططقطق طرطلاق.. كصوت الرصاص الحي في أعماقك.. ولا تكتمل لذة وأورغازم المعلم إلا بعد أن يسلخ شي طفل قبل حلول السادسة مساء وقت الإفراج، قبل حلولها بعشر أو خمس دقائق. ودائما يكون محتملا بشكل وجودي اعتباطي وعبثي أن تكون أنت هو ذلك الطفل الذي سيسلخ. وسواء سلخت أنت أو سلخ طفل آخر يظل الرعب هو الرعب. حيث أن مشاهدة شخص يسلخ لا يمكن أن تكون ممتعة إلا بالنسبة إلى السيكوباتيين المحترفين. 
هنا بغيت نشير لواحد النقطة خطيرة لا ينتبه إليها صناع بيداغوجيا الرعب. وهي أن معاقبة طفل أمام أطفال آخرين هو معاقبة جماعية لمن اقترف الذنب وحتى لمن لم يقترف شيئا. ناهيك عن أنه ترهيب نفسي نتائجه عكسية ووخيمة دون شك وهي كسر الثقة في النفس. هو نفسو الترهيب لي كتديرو الدولة الدكتاتورية بإعدام معارض على التلفاز مباشرة لإرعاب باقي المعارضين.
لم يكن يؤلمني فقط أن أسلخ، باعتبار أني كنت مجتهدا ولم أسلخ إلا مرات أستطيع تذكرها وعدها، وقد كنت مجتهدا ليس لأتعلم بل فقط كي لا أسلخ.  لم يكن يؤلمني فقط أن أسلخ بل أن أرى يوميا أطفالا يسلخون أمامي. أن أعيش مرحلة الابتدائي بطولها الأسطوري وسط السلخانة.
بعض الأطفال كانو كيتسلخو ديما وكان هذا رهيبا ومحيرا. بحيث أن المعلم لم يمل من سلخهم وهم لم يملوا من سلخه لهم. مثلا واحد المعلم فالإعدادي ديال التربية الإسلامية كان صحيح وعندو لحية ويبدو أنه خوانجي. كان كيقرا معنا طفل ساكن فحومتو. وكان كيسلخو فكل حصة. الطفل كان يبدو عبيطا. ربما أصبح عبيطا فقط بسبب الرعب والخوف. كنا غا كندخلو للحصة كيعيط عليه وكيقول ليه لبارح شفتك فالحومة مجمع تاني مع الشمكارة باينة نتا ما باغيش تقرا وكيزرب عليه بتصرفيقة يتردد صداها الموسيقي العسكري في أرجاء الفصل وفي أرجاء المدرسة وفي أرجاء الملكوت. من بعد كيقول ليه مد يدك وكينزل عليه بالعصا شي عشرين ضربة متتالية. مع كل ضربة كنقفزو حنا من بلايصنا. هاد المعلم سلخني بديك العصا مرة وحدة. ما بغاش الألم لي حسيتو يتنسا ليا إلى يومنا هذا. فاش كان كينزل عليا لليد كنحس فيدي بحال شي موجات كهرومغناطيسية مضاعفة. والدموع خرجو من عيني بلا ما نبكي غا بحر الألم. كلست فبلاصتي وكمدتها بينما عقلي بقا كيفكر غا فداك الطفل لي كياخد ديك السلخة فكل حصة وماشي غا من عند داك المعلم بل من عند أغلب المعلمين. إلا واحد فالمية ديال المعلمين لي ما كانوش كيضربو..

ثالث حاجة هي ريحة الأدوات جداد وريحة الطباشير. هادي بوحدها كفيلة باش تسبب ليا اكتئاب مزمن. كاع داك العذاب الدراسي المجاني والغريب تلخص عندي فريحة المطابيع وريحة الطباشير. بغيت هنا نزيدكم واحد البونيس هو الطباشير الأخضر والطباشير الأحمر والطباشير الأزرق. لي كيعطيو للتعذيب ألوان قوس قزح والربيع والفراشات. خصوصا فاش شي طفلة مجتهدة وبركاكة كتنوض تكتب التاريخ فالسبورة بالأزرق والأرقام كتكتبهم بالأحمر وكتسطر عليه بالأخضر باجتهاد مبالغ فيه.

حاجة أخرى عندها علاقة بالألوان كانت عنوانا للرعب. هي: دفتر الدروس بغلاف أحمر ودفتر التمارين بغلاف أصفر. فاش كتقول لينا المعلمة جبدو الدفتر الأحمر وكلشي كيجبدو وهي هازة عصا فيديها كنوليو بحال المعارضين اليساريين الشيوعيين الخطيرين المعتقلين والقسم كيولي بحال دار المقري وهي كتولي بحال أوفقير..

ومرت سنوات. والناس كبرو ولي نجح نجح ولي سقط سقط. والتلاميذ الصغار ولاو معلمين أو بوليس أو نجارة أو شفارة أو مخابرات أو عاطلين إلخ.. وعم الفساد وعمت الرشوة وعم الكدوب والنفاق والسرقة ولقوالب والفوارق الطبقية وتبخرات المبادئ وغفل عينك طارت. بمعنى أن مدرسة العصا والزرواطة لم تعلم المغاربة سوى الخنوع والتبحليس والانتهازية وتا عياشت والتقوليب. وذلك كان هو الهدف من وزارة التعليب. إلا من رحم ربي طبعا..

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow