توماس سانكارا..الثورة التي أجهضت
نهاية مأسوية لثائر من إفريقيا
«ليس لديناالمعايير الأخلاقية نفسها الموجودة لدى الآخرين ... بين الأغنياء والفقراء لا يمكن أن تكون الأخلاق نفسها ، لا الكتاب المقدس ولا القرآن يتعاطفان مع من يستغل الناس»»
*مقتطف من خطاب توماس سانكارا أمام قادة أفارقة .
ولد توماس سانكارا في 21 ديسمبر سنة 1949 لعائلة مسيحية فقيرة ، عمل والده في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية .
كانت عائلة توماس تريد أن يكون إبنها قسا كاثوليكيا. لكن صفات القيادة التي ظهرت على شخصية توماس منذ صغره ، جعلته يلتحق بصفوف جيش بلاده ، ليتدرج في الرتب العسكرية إلى أن صار رائدا .
كان سانكارا يساريا ماركسيا منحازا لطبقات فقيرة ومعاديا لقوى الإستعمار .
سنة 1983قاد توماس انقلابا عسكريا لقي تأييدا شعبيا كبيرا ، التف حوله شعب فولتا العليا الذي اكتشف خلف تلك البزة العسكرية خطابا يساريا معاديا للإمبريالية الفرنسية التي قهرت شعب بوركينا أفاسو وشعوب 14 بلدا إفريقيا .. فكان مخلصا ومنقذا في عيون شعبه المستعبد
غادة تسلمه الحكم عمل على تنزيل برنامجه التنموي اجتماعيا واقتصاديا لتقوية الجبهة الداخلية .
كان أول إجراء قام به هو تغيير إسم بلده من فولتا العليا إلى بوركينا أفاسو التي تعني أرض الشعب المستقيم وخفض نفقات الوزراء وموظفي حكومته وجردهم من عدة امتيازات . ثم أمم الموارد الطبيعية خاصة زراعة القطن التي ظلت لعقود تحت سيطرة الفرنسيين، وغرس 2.5 مليوني شجرة لمحاربة التصحر ، كما ركز على التغذية ومحاربة المجاعة عن طريق خلخلة ملكية الأراضي من أيدي ملاكين كبار من الموالين لفرنسا وأعاد توزيعها بين الناس ، وهنأته منظمة التغذية العالمية كأول بلد إفريقي يحقق اكتفاءا ذاتيا دون مساعدات دولية . كما مد خطوط السكك الحديدية معتمدا على كفاءات وطنية ربطت شمال البلاد بجنوبها .
عزز سانكارا قطاع الصحة، ففي ظرف أسبوعين نجحت دولته في تطعيم مليوني ونصف مليون طفل ضد التهاب السحايا والحمى والحصبة .
عمل تشي غيفارا إفريقيا على تغيير وضعية المرأة بالحد من الممارسات المشينة في حقها وحظر ختان الإناث وشجع النساء على الإنخراط في الحياة السياسية والعسكرية وفرض إجبارية تعليمهن .
في السياسة الخارجية كان توماس مناهضا للإمبريالية والإستعمار واستغلال إفريقيا فصارت فرنسا من أكبر أعدائه ، بعدما تخطت ثورته حدود بوركينا أفاسو نحو دول أفريقية مجاورة ، حيث كان يحرض زعماء أفارقة على التخلص من التبعية الفرنسية عن طريق الإطاحة بنظام «فرانس أفريك » وهو نظام استعماري اقتصادي بديل للإستعمار العسكري المباشر ، ربطت من خلاله فرنسا عملة 14 بلدا إفريقيا ببنكها المركزي الذي وضعه شارل ديغول لضمان تدفق المعادن والأموال إلى جيوب السياسيين الفرنسيين والزعماء الموالين لفرنسا بإفريقيا ، وهو ما كشفه تحقيق أنجز حول فضيحة (إلف) التي انفجرت خلال العقد الأخير من القرن الماضي
كان توماس مؤمنا بأن التخلص من التبعية الفرنسية يقتضي بناء نظام اقتصادي مستقل خاص لكل دولة وعدم الوقوع في شباك المؤسسات الدولية المانحة ومحاربة المديونية.
كان توماس سانكارا بخطابه المنحاز لشعوب إفريقيا الفقيرة واستقطابه العديد من الزعماء الأفارقة إلى صفه يهدد الوجود الفرنسي ما بعد الإستعمار فدبرت له المخابرات الفرنسية انقلابا عسكريا نفذه صديقه الذي كان على رأس المؤسسة العسكرية بليز كومباوري . فاغتيل سانكارا ومعه 12 وزيرا من حكومته ، فطمست معالم الجريمة ، وحكم كومباوري بوركينا أفاسو بقبضة من حديد لمدة 37 عاما إلى أن ثار عليه الشعب سنة 2014 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة لتورطه في اغتيال الزعيم توماس سانكارا..
مات سانكارا الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري وهو طريق يسلكه كثير من الديكتاتوريين لتحقيق نزوات السلطة ، ليكتشف الجميع فيما بعد أن الحكم النظيف ليس دائما يأتي من صناديق الإقتراع ...ولا الديكتاتورية تأتي دائما على أبراج الدبابات..