الحسناوي :الظلاميون يحلون محل الأنبياء بغير حق
الظلامي لا يتقبل نهائياً فكرتي التي تقول بأن الدعوة يختص بها النبي. وذلك على الرغم من أن الفكرة تستند إلى النص القرآني الصريح: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه". فلم تقف الآية عند كون النبي "داعياً إلى الله" وإنما جاء إلى جانب ذلك لفظ "بإذنه"، أي بإذن الله. فالنبي لا يدعو إلى الله من تلقاء نفسه وإنما بإذن إلهي صريح. وبذلك فدعوتُه مشروطة بهذا الإذن ولا تصح بدونه. ولا أحد له الحق في الدعوة عوضاً عن النبي، ولا إلى جانب النبي، ولا بعد النبي لأن لا أحد لديه الإذن الإلهي بالدعوة إلا النبي. ودعوة النبي لا تنتهي بموته وإنما هي دعوة مستمرة في الزمان طالما وُجِدَ القرآن. وفي العصر الحالي فالقرآن يصل إلى كل الناس، وبجميع اللغات، عبر تكنولوجيا الإعلام والاتصال. والقرآن هو النص الوحيد الذي يعتبر متناً للدعوة بدليل قول النبي: "لا تكتبوا عني غير القرآن". وبإمكان أي إنسان في عالم اليوم أن يقرأ القرآن وما يرتبط به بجميع لغات العالم. وبالتالي فالدعوة مستمرة باستمرار القرآن في حد ذاته. أما الذين ينصبون أنفسهم "دُعاةً" فلا حق لهم في ممارسة الدعوة لأنهم - بكل بساطة - ليسوا أنبياء وليس لديهم إذن إلهي بالدعوة. لكن الظلامي لا يتقبل هذه الفكرة، ويرى فيها مغالطة، وينزعج من منشوراتي في هذا الباب إلى الحد الذي يجعله ينفجر بالعبارات غير اللائقة في التعاليق. طبعا، فخبراء الشبكات الاجتماعية ينصحون صناع المحتوى بعدم الرد على مثل هذه التعاليق "السامة"، وحذفها، وحظر أصحابها على الفور. وذلك ما فعلتُه من جانبي بكل تلقائية إذ لا جدوى من محاولة إقناع الظلاميين بفكرةٍ تحطم مشروعهم وتهدمُه من أساسه. فهم - باسم "الدعوة" - ينتصبون كوسطاء بين الناس وبين الله، ويفرضون الوصاية على العقول، وينشرون أفكارهم الهدامة التي قادت آلاف الشباب إلى اعتناق أيديولوجيا الإرهاب، وجرَّت الكوارث على بلدان وشعوب بأكملها. والحال أن لا واسطة ولا وساطة ولا وسيط بين العبد وربه في الإسلام. والدليل على ذلك قائم وواضح في القرآن نفسه. فالعادة أن الآيات التي كانت تأتي كإجابة عن أسئلة الناس كانت تأمر النبي بأن يقول كذا أو كذا كما في الآية: "ويسألونك عن الأنفال قُل هي مواقيت للناس والحج"، أو "ويسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قُل قتالً فيه كبير..." فالصيغة المألوفة في مثل هذه الآيات هي "ويسألونك...قُل...". أما حين تعلق الأمر بالعلاقة بين العباد وربهم فقد جاءت الآية خالية من فعل الأمر "قُل": "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان". ولم يرد في الآية فعل الأمر "قُل" ولم تقل الآية "فقُل إني قريب...". وفي ذلك نفيٌ لأي وساطة بين العبد وربه حتى وإن تعلق الأمر بالنبي نفسه. وإذا كان الله لم يجعل النبي وسيطاً بينه وبين عباده فكيف لغير النبي أن يتوسط بين العباد وربهم؟ ولفظ "العباد" - طبعا - أشمل وأعم من لفظ "المؤمنين". فلا وساطة ولا وسيط بين الله وبين الناس سواء آمنوا أو لم يؤمنوا. ولا مكان، بالنتيجة، لأي وصاية يفرضها الظلاميون على الناس باسم "الدعوة". فالدعوة من اختصاص النبي وحده. وهي مستمرة ولم تنقطع بموت النبي. لقد مات النبي لكن الدعوة لا تموت وهي باقيةٌ ما بقي القرآن. وكفى بالقرآن داعيةً!