لماذا لا يمكن للبشر أن ينحدوا من شخصين ؟

لماذا لا يمكن للبشر أن ينحدوا من شخصين ؟

كلما كان حجم المجموعة السكانية لنوع من الكائنات الحية التي تتكاثر عن طريق التزاوج كبيرا كلما كان لدينا عدد أكبر من المتغيرات داخل هذه المجموعة (وهي نسخ مطفرة من الأليلات) وبالتالي يكون التنوع الجيني داخل المجموعة كبيرا. ولهذا نجد علاقة مباشرة بين التنوع الجيني وحجم المجموعة السكانية. وفي بعض الأحيان تتعرض المجموعات السكانية لعدد من العوامل التي تنقص من حجمها. مثل الأمراض والكوارث الطبيعية والإيكولوجية ... (تسمى هذه الظاهرة بعنق الزجاجة) وحينما يكون حجم المجموعة السكانية صغيرا جدا (حين تتكون من عدة أفراد) فإنها تكون أكثر عرضة لتأثيرات الإنحراف الجيني. حيث تفقد المجموعة معظم التنوع الجيني داخلها ويبقى عدد قليل من الأليلات المتغيرة في الأجيال التي نجت من عنق الزجاجة. 

ولكي تستعيد المجموعة السكانية تنوعها الجيني يجب أن تستمر في زيادة حجم المجموعة السكانية مجددا وانتظار وقت طويل (قد يصل الى اَلاف أو ملايين السنين حسب معدل الطفرات للنوع ) لكي تظهر أليلات متطفرة جديدة، وتعود المجموعة الى حالتها السابقة. ولذلك فإننا من خلال معرفة مدى التنوع الجيني للنوع فإننا نستطيع أن نعلم ما إذا مر من عنق زجاجة أم لا. بمعنى حرفي أننا يمكننا من خلال ذلك معرفة ما إذا نقص عدد أفراد مجموعة ما في الماضي أم لا. و متى وإلى أي حد. فإذا كان التنوع الجيني كبيرا فإن ذلك يعني أن النوع لم يشهد عنق زجاجة حاد لمدة طويلة، وإذا كان التنوع الجيني قليل فإن ذلك يعني أن النوع مر من عنق زجاجة حاد في وقت ما في الماضي (يتم تحديد المدة من خلال عدد من العوامل مثل معدل الطفرات ...).

 

وإن مر نوع ما من عنق زجاجة فإن ذلك يمكن أن يؤدي الى انقراضه بسهولة، لأن انخفاض التنوع الجيني بشكل كبير يجعل من انتقال أمراض خطيرة داخل كل المجموعة السكانية أمرا سهلا. وكمثال على ذلك شيطان تاسمانيا. وهو كائن شهد انخفاض حاد في حجم المجموعة السكانية (عنق زجاجة) ما تسبب في انخفاض تنوعه الجيني بشكل حاد، ما جعل كل المجموعة التي تعيش اليوم عرضة لنوع من السراطانات المتنقلة يدعى DFTD وان لم تبدل جهود جبارة لانقاده فسيكونه مصيره الانقراض.

https://royalsocietypublishing.org/doi/pdf/10.1098/rsbl.2012.0900

حين نقوم بتطبيق هذه الأساسيات على جنسنا البشري فإن النتائج قد تكون صادمة لمن يصدق بالخلق المباشر. لكون الإنسان خلال تاريخه لم يشهد عنق زجاجة حاد للغاية، وأدنى عدد من الأفراد الذين يمكنهم انتاج هذا التنوع الجيني (الذي يبدو قليلا جدا مقارنة بأقربائنا من القردة) هو 10.000 فرد. وقد تم دعم هذا الرقم من خلال دراسات مختلفة (أنظر الاقتباس في الصورة المرافقة للمقال) أي أنه من غير الممكن أن يتطور الإنسان من شخصين فقط. وحتى لو بدأ بعدد قليل من الأفراد فإنه سينقرض بعد عدة أجيال فقط.

Professor Dr. Jan Klein, Professor Dr. Naoyuki Takahata (auth.) - Where Do We Come From__ The Molecular Evidence for Human Descent-Springer-Verlag Berlin Heidelber. P 360.

يمكن دعم هذه النتيجة من خلال طرق أخرى عديدة، أبرزها ما يسمى بالإرتباط غير المتزن Linkage Disequilibrium وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها على مستوى الجينوم. حيث تميل الجينات القريبة من بعضها البعض الى المرور الى الجيل القادم مجموعة دون حدوث تأشيب وإعادة خلط بينهما. والتأشيب الجيني عملية تحدث أثناء الانقسام الخلوي تقوم بخلط المحتوى الجيني بين الكروموسومات. وكلما كان أليلين متباعدين كلما تم التفريق بينهما أكثر بسبب التأشيب. وكلما كان موقعهما متقاربين جدا كلما كان من الصعب التفريق بينهما بسبب التأشيب. ولذلك يمكننا من خلال دراسة هذه الجينات المرتبطة في مجموعة ما أن نقدر عدد الأفراد الذين انحدرت منهم هذه المجموعات المرتبطة. وقد توصلت دراسات الى نفس العدد السابق. البشر لم ينقص عددهم يوما في تاريخهم الى أقل من 10.000 شخص.

Gary Hatfield, Holly Pittman - Evolution of Mind, Brain, and Culture-University of Pennsylvania Press. P 61-62

خالد المازيسي

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow