معايير جديدة تعجيزية للتفوق المجتمعي تؤرق الشباب
أن تكون إنسانا عاديا في زمن الكوتشات و التجارة الالكترونية و المؤثرين و التيكتوكيين لم يعد أمرا مُثيرا .. عليك أن تكون مستثمرا و ذو جسم رياضي و صاحب عمل خاص و مليونيرا في عشرينياتك لكي تتخطى بذلك عتبة الانسان العادي .. الكل أصبح يطمح لأن يتخطى حدود الانسان العادي .. الكل يريد أن يكون استثنائيا و يصل إلى مرحلة ما فوق الانسان .. ليس بمفهوم الانسان الأعلى كما حدّثنا عنه الفيلسوف نيتشه .. لكن بمفهوم التفوق المجتمعي و المادي ولا شيء غير المادي الذي صار هو عقيدة المجتمع اليوم ..
الانسان العادي الذي كان حُلما هو الآخر في الماضي القريب .. دلك المستوى العادي الذي كُنت تصل إليه بعد دراسة و جُهد و مثابرة و عمل .. أصبح مجرد شيء عادي .. العادي الذي كان يجعل منك إنسانا مُستقرّا نفسيا .. هذا العادي اليوم لم يعُد مُغريا .. عليك أن تكون في الصف الأول .. حتى أصبح الكل يتصارع من أجل ألا يكون عاديا .. هذا الصراع سَبَّبَ موجة اكتئاب حاد و تذّمر ذاتي لأفراد مجتمع بكامله .. كيف لا و الكل لا يريد أن يكون عاديا وسط بحر تعجّ أمواجه بالانفلوانسرز و أصحاب الخطابات التحفيزية .. و في صراعك لكي تكون الأول وتتخطى مرحلة العادي .. تفوتك الحياة .. لتجد نفسك في نهاية المطاف مخدوعا .. تلعن نفسك و الحياة و الظروف و الوسط الذي لم يُمكِّنك من أن تكون استثنائيا .. أنت عادي و في الغالب ستعيش حياتك عاديا، وستموت عاديا .. الفرق هو كيف أمضيت حياتك .. كُن مُمتنّا بما حقّقته ووصلت إليه .. حتى و إن كان بسيطا أو عاديا كما يُسَمُّونه .. فاستمتع بالعادي .. ولا تغرق وسط ظلمات بحر الأوهام ..
أما رياضيا و بعملية حسابية بسيطة بإمكاننا أن نُدرك أننا لسنا استثنائيين .. و أن الاستثناء ليس هو القاعدة .. الاستثناء لا يمثل إلا صفر فاصل عدة أصفار من مكونات المجتمع .. كُلنا عاديون أو أقل من عاديين .. عليك أن تؤمن بها .. و إلا ستُمضي حياتك تعيسا حزينا كمن ينتظر ورقته الرابحة في يانصيب يُشارك فيه الملايين حول العالم لرِبح المليون دولار ..