أقوى الأدلة الجينية على التطور

أقوى الأدلة الجينية على التطور


الأدلة على التطور كثيرة جدا ولا يمكن حصرها في مجال واحد أو اثنين، فأينما نظرت في الطبيعة تجد دليلا على التطور، لكن الأدلة الجينية لها وقع خاص، وأثبتت بما لا يدعوا للشك أن التطور حقيقة علمية، ودقت أخر مسمار في نعش الخلقيين ومن على شاكلتهم ممن يرفضون التطور البيولوجي. في هذا المقال ستقرأ بعض الأدلة الجينية التي قل ما تم الإلتفاف إليها، وربما لم تكن قد سمعت ببعضها من قبل.

-???????? التيلوميرات الخلالية

التيلوميرات هي تسلسلات جينية تتواجد في نهايات الكروموسوم، وهي سلسلة متكررة من القواعد T T A G G G تحمي الكروموسومات من التلف أثناء تضاعف الحمض النووي، لكن أحيانا نجد هذه التسلسلات داخل الكروموسوم وتسمى في هذه الحالة بالتسلسلات الخلالية interstitial telomeric sequences. ويمكن أن تنشأ عن طريق التحام الكروموسومات أو عن طريق اعادة الترتيب الجيني، أو عن طريق اقتطافها من طرف أنظمة الإصلاح الخلوي وإدراجها داخل الكروموسوم من أجل ترقيع موقع حدوث كسر في سلسلة الحمض النووي، [1] [2] [3]

في حالة التيلوميرات الخلالية التي نشأت عن طريق التحام الكروموسومات، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الكروموسوم الثاني عند الإنسان هو نتاج التحام كروموسومين منفصلين عند القردة العليا الأفريقية الأخرى، وذلك لوجود تيلوميرات خلالية متقابلة رأس_لرأس في المنطقة المتوقعة لحدوث الإندماج بالضبط. ما يثبت صحة التطور. [4]

في حالة التيلوميرات الخلالية التي نشأت عن طريق الطفرات وأنظمة الإصلاح فإنها هي الأخرى تقدم دليلا قاطعا على صحة التطور. مثلا توجد بعض التيلوميرات الخلالية التي نشأت نتيجة انتشالها بواسطة نظام إصلاح الحمض النووي NHEJ حيث يقوم هذا الأخير بإدراجها في موقع حودث الكسر في الحمض النووي (والتي تحدث بواسطة عوامل مختلفة) [5]. وقد قام العلماء بفحص جينوم الإنسان والبحث عن هذه التيلوميرات الداخلية ومقارنتها بالرئسيات الأخرى، وكانت النتيجة أنهم وجدوا أن هذه التسلسلات مشتركة بين أنواع مختلفة من الرئسيات، مثلا في التسلسل البشري AL033381 نجد أن التسلسل التيلوميري TAGGGT تكرر خمس مرات في منطقة حدوث الانكسار، ونجد أن نفس هذه التسلسل التيلوميري موجود كذلك عند الشيمبانزي والغوريلا في نفس المكان بالضبط، بينما لم يحدث الكسر عند القردة الأخرى وبقي المكان سليما من هذه التيلوميرات الداخلية. والأمر سيان لعدد كبير من المناطق تجدونها مفصلة في هذه الدراسة [6]، ماذا يعني ذلك ؟ يعني أن هذه الأنواع (الانسان والشيمبانزي والغوريلا) حدث عندهم نفس الكسر ونفس الضرر في نفس المكان بالضبط، وتم إصلاح هذه الضرر بنفس التسلسل من التيلوميرات TAGGGT وهذا أمر محال احتماليا. أو أن السلف المشترك لهذه الأنواع الثلاثة هو من أصيب بهذا الضرر وورثوا منه الضرر والإصلاح.

-???????? الساعات الجزيئية و الفيروسات القهقرية

نحن نعلم جميعا أن تواجد الفيروسات القهقرية داخلية المنشأ ERVs في نفس المكان من جينوم نوعين مختلفين دليل دامغ على انحدار النوعين من سلف مشترك واحد أصيب بهذا الفيروس، الجديد في هذا الدليل هو أنه يمكننا التحقق من صحته باعتماد الساعات الجزئية، فحين يدرج الفيروس القهقرية حمضه النووي داخل جينوم الكائن المصاب فإن الأطراف الطويلة LTRs التي تتواجد في أطراف تسلسل الفيروس القهقري تكون متطابقة، وبعد أن يتأثر الفيروس بالطفرات الجينية ويفقد وظيفته فإن تسلسله يبدأ في مراكمة الطفرات مع مرور الزمن، وبذلك تكون الطفرات التي تحدث في LTR احد طرفي الفيروس مختلفة عن الطفرات التي تحدث في LTR الطرف الاخر. وبذلك تبدأ التسلسلات الطويلة LTRs الخاصة بالفيروس تتباين عن بعضها البعض مع مرور الزمن.

وكلما مر وقت طويل جدا على ادراج الفيروس كلما زاد التباين والاختلاف بين LTR في طرفي تسلسل الفيروس، وباعتماد هذه الاختلافات الجينية يمكن للعلماء تحديد الفترة التي ادرج فيها الفيروس داخل الجينوم (الفترة التي لا تزال فيه LTRs متطابقتين)، لذلك إذا كان التطور فعلا حقيقة فإننا يجب أن نجد عمر الفيروس المشترك بين نوعين مساو أو قريب لعمر سلفهما المشترك. في دراسة نشرت عام 1999 قام فيها الباحثون بتحديد عمر 5 فيروسات قهقرية بالاعتماد على الفروقات الجينية بين LTRs الخاصة بها ومقارنتها بأعمار السلف المشترك لكل الأنواع المصابة بنفس الفيروس القهقري وكانت النتائج مدهشة. مثلا الفيروسان HERV-K18 و RTVL-Ha موجودان فقط عن الإنسان والشيمبانزي ، نتائج البحث أكدت أن الفروقات الجينية بين LTRs الخاصة بهما قليلة ما أعطى وقت ادراجهما 5.7 و 6.7 مليون سنة، وهو الوقت التي انفصل فيه الإنسان عن الشيمبانزي. الأمر ذاته يخص الفيروسات (HERV-KC4 و HERV-K(HML6.17 و RTVL-Ia فهي متواجدة عن القردة العليا وكذلك قردة العال القديم، وأعطت نتائج البحث أن هذه الفيروسات أدرجت قبل 31 مليون سنة أو أكثر، ما يتوافق تماما مع الفترة التي انقسمت فيها قردة العالم القديم والقردة العليا [7].

-???????? الجينات الوظيفية

يوجد نوع من الجينات الوظيفية تدعى الريتروجينات، وهي جينات خالية من الانترونات ناتجة من إعادة نسخ عكسي لجين عادي بفعل انزيمات النسخ العكسي والنوكلياز الداخلي (الانزيمات المسؤولة على انتقال العناصر الناقلة)، مثلا، يوجد جين يدعى GLUD1 وهو جين له دور محوري في عمليات الأيض، وبالضبط أيض الكلوتاميت لإنتاج الطاقة. يحمل الإنسان ريتروجين خاص بهذا الجين ويدعى GLUD2، وهو جين بدون انترونات ومحصور بين منطقة مستهدفة مضاعفة مكونة من 10 نيوكليوتيدات ATAGAACAAA، وهو ما يدل على كونه ريتروجين تم نسخه عكسيا من الجين GLUD1، وينتج هذا الريتروجين انزيما قريبا جدا من انزيم النسخة الأصلية ويتم التعبير عنه في الدماغ والخصيتين.

تمتلك كل القردة العليا (الانسان، الشيمبانزي، الغوريلا، الأورانغوتان، الجيبون) نسخة الريتروجين GLUD2 في نفس الموقع من الجينوم وبين نفس المنطقة المستهدفة، بينما لا تمتلكها قردة العالم القديم وبقية هذه المنطقة من الجينوم عندها سليمة. وهذا دليل اضافي على انحدار القردة العليا من سلف مشترك واحد [8].

-???????? الجينات الزائفة

يوجد جين يدعى CYP21 يشارك في عمليات الأيض الخاصة بالهرمونات الستيرويدية. وتوجد منه نسختين A وB متشابهتين. لأن النسخة B نشأت عن طريق تضاعف جيني من النسخة الأصلية A وهذه الأخيرة وظيفية، بينما النسخة B زائفة. توجد فقط في القردة العليا وفي قردة العالم القديم. ما يعني أن هذا التضاعف حدث قبل 23 مليون عام. النسخة الزائفة B عند الإنسان فقدت وظيفتها بسبب طفرة حذف تسببت في فقدان 8 قواعد من التسلسل الجيني للجين. وبالضبط من الإكزون الثالث، وعند فحص جينوم الشيمبانزي نجد أنه يمتلك نفس النسخة المضاعفة في نفس المكان من الجينوم. وأكثر من ذلك فإن هذه النسخة الزائفة عند الشيمبانزي هي الأخرى فقدت 8 قواعد من التسلسل الجيني في الإكزون الثالث[8] . ولا يمكن لعقل أن يتقبل حدوث ذلك إلا إذا كان التطور حقيقة علمية. بحيث أن السلف المشترك للانسان والشيمبانزي هو الذي فقد هذه ال8 قواعد وورثها النوعين [9].

مثال أخر من الجينات الزائفة هو الجينات المشفرة لبروتين الفيتوليجنين vitellogenin وهو بروتين يقوم بنقل المواد الخذائية الى أصفر البيض في الحيوانات البيوضة، بالرغم من ذلك فإن الثدييات (من بينها الإنسان) لا يزال يمتلك هذه الجينات (وعددها ثلاثة) بالرغم من أنه لا يبيض، وتظهر متدهورة لكون الثدييات الولودة لا حاجة لها بها، بينما الثدييات العتيقة التي لا تزال تضع البيض مثل الوحشيات الأولية لا تزال تمتلك جينا وظيفيا واحدا وجينين زائفين [10].

1 – https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC52649/
2 – https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/2340757/
3 – https://genesdev.cshlp.org/content/19/18/2100.long
4 – https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC52649/
5 – https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/19188690/
6 – https://www.ncbi.nlm.nih.gov/.../PMC515315/pdf/0141704.pdf
7 – https://www.pnas.org/doi/full/10.1073/pnas.96.18.10254
8 – https://www.nature.com/articles/ng1431
9 – David N Cooper, 1999. Human gene evolution. p 268.
10 – https://journals.plos.org/plosbiology/article?id=10.1371/journal.pbio.006006

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
1
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow