حكاية" تيتيمة" غربة في الجسد و المجتمع

حكاية" تيتيمة" غربة في الجسد و المجتمع

‌مذكرات مثلية رواية حديثة جريئة للأستاذة المبدعة والمتألقة فاطمة الزهراء أمزكار التي تناقش فيها  تلك الأقلية التي تعاني الاضطهاد والمعاناة، مجتمع الميم تلك الظاهرة معروفة مند التاريخ( ابو نواس، الغلمان، لوط وقومه...)، لكن مسكوت عنها خصوصا في تلك المجتمعات التي تصنف في مؤخرة الأمم، فالمثلية يعتبرونها شدود ومرض وانحراف، لكن هي ليست كذلك حتى منظمة الصحة العالمية أزالتها ضمن قائمة الأمراض وصنفت ضمن الميولات  الجنسية الشخصية، فالمثلي او المثلية لم تختار ذلك الفعل، فلا ذنب لهم في ذلك، كما لم نختار جنسنا هل نكون ذكور او إنات ولم نختر لوننا وعرقنا وديننا وشكلنا بدقة، وايضا وجودنا  في هذا العالم لم نختره بحرية فنحن كائنات وجدت بدون أن يكون لها دخل في ذلك، فقد كان يمكن أن لا نكون في هذا الوجود، في هذا المنوال يقول درويش " أنا كائنا واجب الوجود"، فحتى ميولاتنا الجنسية لم نخترها بحرية هذه الأمور كلها لا نختارها فالصدفة اللانهائية هي من تفعل فعلها بشكل عشوائي، اذا وجدت نفسك سليم في ميولاك لحسن حضك وأنصفتك الطبيعة على الاقل حاول ان تحترم الاخر وليس أن تنبده وتتقزز منه وتنعته بأقبح الصفات، بل أكثر من ذلك لم يكتفون الاشخاص بذلك العنف اللفضي والرمزي وإنما يتجاوزونه الى العنف الجسدي، كل هذا لانه لا يشبههم، لا أدري متى سنتقبل الاختلاف؟ متى سنكف عن حشر أنفسنا في مؤخرة الآخر؟ متى سنهتم بأنفسنا بعيدا عن ميولات ومعتقدات والحياة الخاصة بالآخر؟ متى سنكون أحرارا في فعل ما نريده في الوقت التي نريد؟ متى سنعترف بالحريات الفردية؟ متى سنقول "أنا" بذل "نحن"؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها في هذا المجتمع اللعين وتقاليده البالية التي عوقت تفكير الصغير والكبير تبا ثم تبا. لنعود اذن الى الرواية الجريئة التي بين أيدينا، تناقش المثلية الجنسية الإناث (السحاقيات كما يطلق عليهم) تحكي لنا الرواية في قالب سردي مشوق حياة "تيتيمة" تلك الفتاة الفقيرة بسوء حظها، وجدت نفسها في حي صفيحي  يعاني الفقر والتهميش بعد أن تخلى عنها والديها بسبب عدم التخطيط ربما كان هذا الحمل خطأ وتكفلت جدتها الحنونة بتربيتها والاهتمام بها رغم كل أنواع المعاناة والالآم البشرية التي  تجتمع في ذلك الحي الشعبي الصفيحي والغريب في الأمر تيتيمة وجدت بالصدفة اللامتناهية بميول جنسي يختلف عن بنيتها وشكلها، لكن لا أحد يفهم ذلك في البداية لم تفهم ماذا يجري في هذا العالم لكن فهمت فيما بعد حتى لا نحرق الأحداث سأضع بعض الأفكار بشكل مختصر  حتى يستطيع القارئ أن يقرأ ويسبر أغوار الرواية بنفسه، تزوجت تيتيمة وعانت الويلات ولعب أبيها دور كبير في حياتها لانه هو الاول والأخير الذي يفهما يعطيها الكتب لتقرأ ويناقش معها أفكار فلسفية وفكرية بكل حرية، وله الفضل الكبير في تغير حياتها بشكل جذري ، لقد عاشت حياة التشرد والسكر وبيع المخدرات وذاقت مرارة الشوارع وحياة الليل ...وقعت في الحب وتخلت عنها حبييتها ليس مرة او مرتين وفي الاخير تجاوزت كل هذه الويلات والعقبات وأصبحت أستاذة  وحققت ذلك الحلم الذي طالما انتظرته جدتها ان يتحقق، لكي تخرج من البؤس الذي يحيط بهم  في تلك الرقعة الجغرافية، ووجدت رفيقة لها شرطية عاشو معا حياة جنسية. كما لا ننسى دور الكتابة في حياة تيتيمة لانها تحب الكتابة وجميع مشاكلها تفرغها على الورق وتتنفس الصعداء حياة تيتيمة مليئة بالمعاناة والأسى، لكن لم تستسلم هي رمز المقاومة والصمود، وينطبق عليها قول نيتشه "الضربة التي لا تقتلني تجعلني أقوى" لان تيتيمة رغم المعاناة والمشاكل الأسرية وقوة التيار المجتمعي عليها ورغم ما تتعرض له بشكل يومي في الشارع او المقاهي لم تستسلم ولم تضعف، بل بالعكس واصلت حتى حققت أحلامها من بينهم أصبحت أستاذة وكاتبة، وتحررت من الأغلال وقيود النظم المجتمعية القاهرة والنمادج الثقافية وأصبحت إمرأة أخرى بنمط تفكير جديد ورؤية جديدة لنفسها والعالم الذي يحيط بها.
‌أما بالنسبة للمنع الذي  تعرضت له  هذه الرواية  في معرض الدولي للكتاب المبرمجة للتوقيع هناك في حفل خاص بذلك وكتاب آخر تم منعه وهو سوسيولوجيا التدين لصاحبه علي تيزنت، لكن للاسف انتصر الجهل والتخلف وهكذا سنبقى دائما في قوقعة الجهل، فرض الرقابة على الكتب وقمع حريات التعبير والابداع ليس هو الحل، لأن الافكار لها أجنحة على حد تعبير ابن رشد، لعل هذا المنع قد يكون فيه خير كثيرا بحد ذاته عندما نسير على خطى " كل ممنوع مرغوب" فالإنسان فضولي بطبعه دائما يبحث في المتاهات المظلمة ليكتشف عناصر جديدة في حياته، وهكذا ستشتهر الرواية والكتب الممنوعة عندما يبحث عنها الجميع لسبر أغوارها وتفرض نفسها وبالتالي سينتصر قوة الفكر والإبداع والحرية ... خصوصا مع الأنترنيت وعوالمه كل شىء قريب، خاصة عندما تصدر نسخة الكترونية.
‌**بعض الاقتباسات من الرواية**

‌"لا أذكر اليوم الذي استيقضت فيه وقررت أن أكون سحاقية. من هو الغبي الذي سيختار أن يكون من الاقليات المنبوذة في مجتمع تحكمه أفكار تكفيرية متشددة تستفزه قبلة او تنورة فتاة؟ كيف يمكن أن نختار التعرض للشتم وأحيانا للضرب؟ كيف يمكنني أن أختار الحرمان من طعم الأمومة ومن كلمة ماما لان الزواج المثلي لا يسفر عن ابناء؟".

‌"الموت صعب والحياة موت أصعب" 

"الشدود هو التخلي عن إنسانيتنا إرضاء للخرافة، الشدود هو أن نعيش وفق ما بمليه علينا المجتمع دون الالتفات إلى ذواتنا الكسيرة".

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow