دور الفن في تحرير الإنسان من الخرافات

دور الفن في تحرير الإنسان من الخرافات

الفن الذي لا يحرر صاحبه من الخرافات ليس فنا. الأدب أداة تحرير فعالة. تقرأ فتتحرر. أشك دائما في الكتاب المتدينين، إذ بالنسبة إلي الفن في حد ذاته عقيدة. كيف إذن يمكن للمرء اعتقاد عقيدتين في نفس الوقت خصوصا إن كانتا متضادتين؟ إما أن تختار الفن وإما أن تختار الدين. في حقيقة الأمر حتى الكتاب المتدينون لا يبقون متدينين أثناء الكتابة. إنهم حسب رجال الدين زنادقة وهرطوقيون. إلا أنهم لم يقطعوا بعد الخرافة داخل أعماقهم من جذورها. إنهم متأرجحون وبالتالي يظل نتاجهم الفني متأرجحا أيضا. إنه شيطان بقناع ملاك. عبر تجربتي على فيسبوك لاحظت ما يلي: كاتبات محجبات مع الوقت يخلعن الحجاب وتصير كتابتهن أكثر قوة، أكثر جرأة، أكثر حرية. لقد حررهن الأدب. هذا يبهجني عميقا. إذ كيف تقبل الكاتبة حجابا على كلماتها؟ إن قبلناه على رأسها. كيف ستتحرك الكلمات بحرية داخل رأس مصفدة بالثياب. إنها أصفاد رمزية أقوى من أصفاد الثوب. الكلمات تحب النور والهواء الطلق والحرية. باستثناء كاتبة واحدة لم يستطع الحجاب إعاقة انطلاقها، نسيت اسمها سوى أني أتذكرها جيدا: السيدة نون أو شيء من هذا القبيل. محجبة تكتب قصائد مثيرة لا تنقصها النهود. إضافة إلى نهد نافر للكاتبة في الصورة رغم الحجاب. الحجاب الذي يصير هنا أداة للتعري عوض أن يكون أدات للتغطية والتعمية. تكون كاتبا ثم تقوم لتصلي وتتبع فقيها يعلمك الطهارة ويلقنك دروس الأخلاق ويشرح لك كيف يجب أن تعطي الزكاة وكم مقدارها كما تؤمن أيضا بآيات الإرث وغيرها وتطبقها ناهيك عن التزامك بصيام شهر كامل اسمه رمضان دون أن ننزلق هنا إلى أي شكل من أشكال تدجين الدين في نزعة تصوف مبهمة وباطنية للتغطية على الدين كما على الأدب الذي ينتجه متدين. بل لعل ذلك الأدب يكون أقوى بكثير وأشد وأفدح باعتبار هذا المخاض العسير الذي يحبل به وهذا التوهان في عدم وضوح الرؤية وضبابية الإيمان. لقد كان الكاتب الكبير فلان متدينا والكاتب فلان والكاتب فلان وكان دوستويفسكي صوفيا إلخ.. هذا صحيح، سوى أن ما كتبوه بشكل أو بآخر هو تعرية كاملة لمعتقداتهم. إنهم النقيض المطلق لما يبشرون به. إن عذوبة الأدب بالضرورة نقيض لعسر الهضم الذي يصيبك إزاء نصوص دينية تبشرك أو ترهبك. حين تقرأ دوستويفسكي مثلا ستفقد عذريتك الدينية عوض أن تحافظ عليها. إن الشيطان الحقيقي لا يكمن سوى في أعماق الملاك. ألم ينضح ذلك عن التعاليم الدينية نفسها التي تقول إن الشيطان كان ملاكا مقربا من الله قبل أن يتكبر ويتجبر؟ ماذا حدث للملاك إذا حتى أصبح شيطانا؟ هل فقد هويته وذاكرته؟ هل كانط شيء آخر غير الشيطان وقد قذفت به آلهة المسيحية من جنان الكنيسة إلى جحيم الفلسفة؟ ما الذي سيحدث لك بعد الانتهاء من قرارءة نقد العقل الخالص؟ ستكتشف الشيطان داخلك دون شك وسيصبح إيمانك عكازا في يدك من أجل التحرر من كل الخرافات عوض أن يبقيك آمنا داخل حظائر وإسطبلات وزرائب الدين. الأمر ليس بسيطا أو سطحيا عزيزي القارئ الطيب المتدين الذي على نياته. الأمر ليس كما تحدثك به نفسك الآن الأمارة بأحكام القيمة المتسرعة عزيزي الكاتب المتدين المحافظ على صلواته. بل إن كل كتابة لا تتشابك مع كل ذلك هي كتابة على الهامش. ما علاقة كل ذلك بالحجاب؟ يبدو الأمر سطحيا؟ حسنا. إنه كذلك. سطحي بامتياز. يلزم الكاتبة المحجبة في نظري فقط أن تكمل دينها بخمار كامل. ببرقع. وأن تبدأ نصوصها ب: بسم الله الرحمان الرحيم. وأن تغض بصرها على وعن كل كتابة إيروتيكية أو كتابة آبقة أو زندقة معلنة كانت أم مبطنة. والأهم من كل ذلك أن تخاذر مما هو أخطر وهي تمسك في يدها بالقلم. هذا الأخير الذي لا أحد يدري لماذا سمي به شيء آخر يمكننا ذكره هنا دون ذكره. قلم للكتابة داخل الأرحام ربما؟ يفيض بالمواليد كما يفيض قلم الكتابة بالنصوص. قلت أن تحاذر أكثر وهي تغطي رأسها وجسدها من عراء الكلمات وتبرجها وفتنتها. أليست الكتابة شيئا آخر غير ذلك التعري الذي تحاول الأديان جاهدته تغطيته وححبه. عراء النفس البشرية أمام حقيقتها؟ وهل الحجاب منديل فوق الرأس فقط للنساء؟ أليست اللحية حجابا للوجه؟ والطاقية أو العمامة أو الجبة حجابا للرأس؟ حجابا للتفكير؟ إنها مجرد صدفة إذن أن يغطي كل رجال الدين وجوههم ورؤوسهم. حسنا، وفي كل الأحوال والأهوال إن البذرة لا تتفتح لتعطي زرعا إلا وهي تتعرى.

ما هو رد فعلك؟

1
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow