أخلاقيات الملاكمة : رياضة همجية أم فنٌ نبيل ! الأسطورة محمد علي كلاي كنموذج

أخلاقيات الملاكمة : رياضة همجية أم فنٌ نبيل ! الأسطورة محمد علي كلاي كنموذج

الملاكمة هي رياضة عريقة لها جذور تمتد إلى ما قبل التاريخ، يقال أن هذه الرياضة ظهرت في المنطقة الجغرافية المسماة إثيوبيا حاليا، في الألفية السادسة قبل الميلاد، عندما غزا المصريون بلاد النوبة تعلموا فن الملاكمة من السكان المحليين وأخذوا هذه الرياضة معهم إلى مصر، حيث أصبحت مشهورة هناك، و من مصر انتشرت الملاكمة في دول أخرى، كاليونان وشرقا في بلاد ما بين النهرين و شمالا في روما.

في انجلترا سنة 1743 تم لأول مرة تأسيس قواعد تأطر هذه اللعبة، وتسمى قواعد بروتن نسبة إلى الإنجليزي جاك بروتن، من أجل حماية المقاتلين في الحلبة من الضربات الخطيرة، حيث كانت حالات الموت شائعة قبل تقنينها.

ما يهمنا هنا هو الجانب القيمي الفلسفي من ممارسة هذه اللعبة، فأي لعبة أو رياضة كيفما كانت لها بيئة ثقافية نشأة فيها، كالإنتماء لطبقة اجتماعية أو طائفة دينية، بالنسبة للملاكمة كان لها تاريخ مشبوه، وكما قلنا سابقا توفي بسببها الكثير من الملاكمين، ومعظم ممارسي هذه الرياضة محدودي التعليم والذكاء وعنيفون في سلوكهم، ينحدرون من أسر فقيرة مفككة يسود فيها العنف، يمكن ملاحظة ذلك في سلوكهم وطريقة كلامهم، وهذه الخلفية الثقافية و الإجتماعية مهمة لفهم هذه الرياضة - سأحاول لاحقا وضع مقارنة بين هذه الرياضة والفنون القتالية الآسيوية.

من الناحية التقنية وطريقة القتال، فهي محدودة تقنيا ولا توجد فيها جمالية ومتعة مثل فنون القتال الآسيوية، أمام الخصم هدف واحد فقط و هو الرأس، وهو منطقة حساسة في الجسم ولها حرمتها السيكولوجية، وهنا تتجلى همجية هذه الرياضة، ولا أرى أي نبل في ضرب رأس الخصم، اعتبرها أكثر لعبة همجية معترف بها في المنظمات الرياضية، يمكن أن تصلح كرياضة للدفاع عن النفس في الشارع وليس رياضة تنافسية، يلقبونها بالفن النبيل، أين النبل في تهشيم أنف و رأس الخصم، بالنسبة لهم قمة النبل هي عندما يسقط الخصم بالضربة القاضية، تخيلوا معي مدى همجية هذه الرياضة، هل فكرتم في الأمر جيدا، هل تعاطف أحدكم مع الخصم الذي غاب عن الوعي، وغالبا ما يتعرض دماغهم للتلف والأضرار، الكل يفرح مع المنتصر ويعتبرونه بطلا، مثل مصارع الثيران الذي تتساقط عليه التصفيقات وهو يحاول قتل الثور في كل ضربة.
لنتحدث عن جانب الأخلاقي الرياضية، خصوصا في الوزن الثقيل، في كل الرياضات يتم احترام الخصوم، في كرة القدم لن تسمع مثلا مدرب فريق يقول في تصريح قبل المباراة بأنه سيهزم خصمه بسهول وسيسجل عليه عشرة أهداف، في الملاكمة يعتبر تقديم المنافسين قبل النزال حدثا مهما، كل واحد يعتبر نفسه فائزا قبل خوض النزال، و كثيرا ما يتحول التراشق بالألفاظ إلى عنف و تبادل اللكمات، هذه هي أخلاقهم، وهي ثقافة أمريكية توجد في المصارعة.

لنقارن هذه الرياضة مع الجودو الياباني، فهذا الأخير ليس مجرد رياضة وفن للقتال بل أكثر من ذلك هو فلسفة في الحياة، وجميع فنون القتال الآسيوية مرتبطة بالسلوك الأخلاقي، فهي تربي النفس قبل الجسد، تعلم كيفية مواجهة غرائز الذات، اللباس في هذه الرياضات له خصوصية ثقافية وطقوسية، لا يستعرض الجسد كما تفعل الملاكمة، لأن القوة ليس في الجسد، القوة توازن بين العقل والنفس والجسد، والخصمان قبل النزال ينحنيان لبعضهما، كدلالة على التواضع و الإحترام.

لاشك أن محمد علي كلاي كان اسطورة اذا قسنا ما قدمه بالمقياس ومعايير هذه اللعبة، لكن لننظر إلى الجانب الآخر المتعلق بشخصيته، قبل اسلامه، عندما كان متعجرفا ومغرورا، يصرخ أمام الكاميرة عندما يسقط خصمه وهو يقول "أنا العظيم"، هو فعلا شخصية رياضية لن تتكرر، جاء في ظرفية تاريخية تعرض فيها السود للإقصاء والعنصرية، فكان ناطقا باسمهم في الحلبة، كان مجرد شاب ثائر وغاضب، ينفعل لأتفه الأسباب، لم يغير جذريا وضع السود كما فعل لوثر كينغ، بعد اعتناقه الإسلام لم يغير شيئا فيه، بقي ذلك المغرور الغاضب، لكنه تعلم الدرس متأخرا بعد اصابته في الرأس، ويوجد أيضا ملاكم آخر لا يقل غرورا عن محمد كلاي، وهو نسيم حميد ذو الأصول اليمنية، كان معتوها بمعنى الكلمة، وحش بدون عقل لا يعرف سوى القتال، لم يغير الإسلام من سلوكه، قبل النزال يتلو القرآن والسنة ويصلي، وبعد ذلك يتصرف مثل الطفل المصاب بالتوحد، يحارب الخصوم كأنه يحارب الكفار.

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow