الرواقية تعلمك كيف تتعامل مع الرفض !

الرواقية  تعلمك  كيف  تتعامل مع الرفض !

الرواقية والتعامل مع الرفض Rejection : 
قبل أيام, سألني أحد الأصدقاء على الخاص : كيف يتصرف الرواقيون مع الرفض ؟ لكني نسيت الكتابة في هذا الموضوع..
يمكنك تخمين كيف قد يتصرف الرواقي عند تعرضه للرفض ...
1. التأمل الرواقي يجعلك قادرا على ضبط أعصابك.
في البداية, تضبط أعصابك, لكن كيف ؟ الإجابة عن طريق المافوق-إدراك, أو الإدراك العلوي Metacognition . كيف يعمل؟
ملكات التفكير عند الإنسان العاقل تنقسم إلى طبقات مختلفة من التفكير : 
- بعض هذه الطبقات تصب في الإدراك المباشر Cognition 
- بينما بعضها الآخر يصب في ماهو فوق الإدراك  Metacognition 
الرفض يكون صعبا, أعرف .. لكن هنا النقطة :
لو أنك استسلمت إلى الإدراك المباشر, فما سيحدث هو أنك ستغوص في تجربتك بعد الرفض, أي أنك ستؤدي دورك بالضبط, كشخص لديه رد فعل عاطفي تجاه الرفض.
قد يجعلك ذلك تحس بأنك بلا قيمة, قد يجعلك تحس بالفشل, .. أو قد يصل الأمر إلى أحاسيس متطرفة جدا : كالإحساس بأن الجهة التي رفضتك قد تمادت وضربت في كبريائك (هذا الـ ego الذي تحميه أو يحميك, أو ربما تحميان بعضكما البعض). أو أنها أهانتك أو احتقرتك.
الاستسلام لهذه التجربة الإدراكية ستجعلك تدور وتدور وتدور في حلقات تؤدي إلى حلقات ونتائج, ما سيجعلك تتأخر قليلا في نسيان الموضوع.
الفلسفة التطبيقية للرواقية تقول بأنه ينبغي عليك أن تفرق بين الأشياء وبين أحكامك Judgments تجاه الأشياء.
لكن هذه الدوامة التي دخلت إليها, هذا التفكير و الأحاسيس تفعل العكس بالضبط : إنها تمنعك من فصل الأشياء عن أحكامك تجاهها.
إنها تجعلك تأخذ هذا الرفض على نحو شخصي, من مجرد رفض (لأن الجهة المعنية لا ترى مصلحة أو انجذابا تجاهك), إلى إهانة أو حسابات شخصية أنت مركزها.
بالتالي لكي تضبط نفسك وأنت تفعل ذلك, ينبغي عليك أن تخرج قليلا من نفسك, تجاهل تلك الأحاسيس, وأنظر إلى نفسك من الخارج ..
عوض أن تعيش ضمن تلك الأحاسيس, ينبغي عليك أن تجرد نفسك منها, وتنظر إليها (وكأنها لشخص آخر), وتقول : لماذا أحس بهذا الإحساس؟ وكيف يمكنني التخلص منه؟
هناك الكثير من التقنيات التي يمكنك اعتمادها لفعل ذلك, معرفة المسببات والمحفزات, تجنب هذه المحفزات, أو ربما مواجهتها لكن بشكل كوميدي فكاهي, حتى تتصالح مع وجودها.
لكن أيا كانت استراتيجيتك ينبغي عليك أولا أن تفصل نفسك عن نفسك قليلا, وتضع نفسك موضع المشاهد, عوض البطل في القصة.
صحيح أنك (وأنت تشاهد ذلك البطل) , لازلت تحس بجزء مما يُفترض أن يحس به البطل في القصة, وأنت تنتظر منه أن يحل المشكلة, تنظر إليه وتعيش معه كل تلك الأحداث والأحاسيس.
لكنك في نفس الوقت تنتقد الطريقة التي تسير بها الأمور أحيانا, تقول مثلا : "لماذا فعل البطل كذا, ولم يفعل كذا؟ .. ".
هذا هو الفوق-ادراك Metacognition , هو أن تفكر في التفكير والاحساس نفسه, و تحاول فهمه وانتقاده ومساءلته , عوض أن تعيشه.
هذا الأمر هو الذي سيجعلك تفصل أحكامك عن كل ما حدث. الأحكام تنشأ كنتيجة مباشرة للتفكير العاطفي. عندما تفصل بين تفكيرك العقلاني وبين التفكير العاطفي, تصبح أحكامك على الشخص, مثلا تلك المرأة التي رفضتكَ (أو الرجل الذي رفضكِ), أحكاما موضوعية, وهذه الأحكام الموضوعية لا تدخل فيها اطلاقا حساباتك الشخصية, ولا تجعل فيها نفسك ذا دور مركزي مهم.
ثم بعدما تنجح في ذلك, تمر إلى التركيز فيما يعتبر مهما بالنسبة لك. 
2. تقسيم الأشياء إلى ما يمكنك التحكم فيه وما لايمكنك التحكم فيه.
الرواقية تجعل الأشياء بسيطة جدا, إذا نظرت إليها من هذه الزاوية, يصبح كل شيء من السهل تجاوزه.
في أي موضوع ينبغي عليك تقسيم الأمور إلى ما تستطيـع تغييره, وما لاتستطيع تغييره.
آراء الناس تجاهك, لايمكنك تغييرها ببساطة. قد تغيرها لو كانت قائمة على أحكام خاطئة منهم, هذا يمكنك تغييره عن طريق اثبات خطأ تلك الأحكام.
لكن أحاسيس الناس تجاهك تنقسم إلى ما يمكنك تغييره, وما لايمكنك تغييره إطلاقا.
الأحاسيس التي تكون مجرد كره أو نفور لسبب معين, هذه قد تغيرها إذا غيرت سلوكياتك, أو أثبتت أنك لست ذلك الشخص الذي يعتقدونه.
مثلا : ان كان زميلك يحقد عليك لأنك دائم السخرية منه, فهنا يمكنك تغيير هذا الإحساس عن طريق تغيير طريقة تعاملك معه, مع الوقت سيبدأ في تغيير نظرته تجاهه.
لكن الأحاسيس التي تكون من النوع الرومانسي أو الانجذاب الجنسي, فهذه أحاسيس جد جد متجذرة في بيولوجيا الانسان نفسه. من الصعب تغييرها, لدرجة أن ذلك قد يكون مستحيلا.
هذا هو الواقع للأسف, من الصعب جعل شخص لاينجذب إليك, ينجذب إليك.
لماذا؟
هنا سندخل البيولوجيا ...
هناك نقطتان (على الأقل) ينبغي فهمهما, الانجذاب الرومانسي يقوم عليهما :
- التوافق الجيني بين شخصين : أي قدرة شخصين على إنجاب نسل سليم لديه صلاحية أكبر Fitness . 
- الفيرومونات Pheromones 
طبعا, التوافق الجيني بين شخصين لايمكن رؤيته مباشرة, لسبب واضح هو أننا لا نرى جينات البشر.
لكن الشكل الخارجي للإنسان, يعطي فكرة ضبابية عن تركيبته الجينية, هناك بعض السمات الشكلية التي تكون مرتبطة جينيا بسمات غير شكلية.
هذه تسمى "اللمحات" cues (ترجمة ركيكة ربما).
بالتالي : وجود تلك السمات, إما في ملامح الشخص, أو في تقاسيم وجهه أو شكله أو مشيته, قد تبني صورة في عقل الجانب الآخر تقول : هذا صالح , هذا غير صالح.
هذه اللمحات cues غير واعية إطلاقا, وتتم حتى بدون أن يفكر فيها الشخص المعني, نتيجتها تشغيل آلية الانجذاب الجنسي, أو عدم تشغيلها, وهذه بدورها تقوم بتشغيل آلية الانجذاب العاطفي والرومانسي.
يعني ترى المرأة (أو ترين الرجل) وتحس بأنه الشخص المناسب.. ذلك الاعجاب من أول نظرة (أقول هنا اعجاب أو انجذاب وليس حب, الحب يحتاج سنوات طويلة من العشرة).
وهذا لا علاقة له بمفهوم "الجمال" أو "الوسامة" أو القوة البدنية..
أنا هنا أتحدث عن تلك الطبقة الرقيقة من الأدراك, التي تجعلك تستطيــع تصور زواجك من المرأة 1, لكن ليس من المرأة 2 (رغم أن 2 قد تكون أجمل من 1, باستخدام مفهوم الجمال الاجتماعي, النسبي أصلا).
نفس الشيء ينسحب على الرجال : من الممكن أن يكون 1 أكثر جاذبية لعدد ضخم من النساء, لكنه ليس جذابا بالنسبة لكِ,  ببساطة : تلك الميكانيزمات الجنسية والعاطفية في الدماغ, وملايين الشبكات العصبية لم تخلص إلى استنتاج أنه ينبغي ربما تشغيل آلية الانجذاب الجنسي.
وهذا كما قلت راجع لتركيبتك الجينية من الأصل.
لكن الأمور لا تتوقف هنا, وهذا ما أحبه في علوم الأحياء, الأمور دائما تمتد إلى ماهو أعقد مما تتصور. لازلنا لم نتحدث عن الفيرومونات.
الفيرومونات هي مركبات بيوكيميائية, هذه المركبات تشبه الروائح لكنها ليست روائح... يعني لايمكنك شمها.
- الروائح تكون من مركبات كيميائية يمكنها الارتباط بمستقبلات الشم في الايبيثيليوم  epithelium داخل التجويف الأنفي.
- لكن الفيرومونات هي مركبات كيميائية لايتم التقاطها بهذه المستقبلات, بل بمستقبلات أخرى  توجد في عضو آخر (أيضا في التجويف الأنفي) يسمى عضو جيكوبسون أو الـ Vomeronsal organ  (ذلك الشكل الأسود في الصورة).
هذا العضو هو الذي يستقبل الفيرومونات التي ينتجها الآخرون عند التعامل معهم.
لكن الجميل أنه لايتم ادراك هذه الفيرومونات على شكل روائح, أنت تتحدث إلى امرأة (أو تتحدثين إلى رجل) لكن الفيرومونات المنبعثة منه تؤدي الى تحفيز المستشعرات, ماينتج سيالات عصبية تتجه إلى الدماغ, مايؤدي إلى جعل الشبكات العصبية تؤدي الى الانجذاب أو النفور من الشخص.
وكما ترى هذه الفيرومونات ممكنة بعد التعامل مع الشخص وجها لوجه. هذا يفسر لنا لماذا أحيانا يكون شخصان منجذبين إلى بعضهما البعض عبر الأنترنت, أو كاميرا الهاتف (هذا بسبب تلك التلميحات cues التي يعطيها الشكل الخارجي), لكن بعد المقابلة يجدان بأنهما  (أو أحدهما) في الحقيقة ينفر من الآخر... هكذا بدون سبب معروف ...
الأمور كانت جميلة على الأنترنت, لكن بعد المقابلة, أصبح كل شيء مختلفا, شيء غير معروف يقول لك بأن المرأة غير مناسبة (أو يقول لكِ أن الرجل غير مناسب), رغم أنك كنت تقول بأنها (أو أنه) مناسب(ة) حسب ما رأيته في الصور أو عبر كاميرا الهاتف.
نعم صديقي, لهذه الدرجة تعمل الفيرومونات عندما يتعلق الأمر بالمواضيع الرومانسية والعاطفية.
لكن تذكر معي : ليست هي كـــــــــل الصورة, هي فقط صورة صغيرة مما يحدث بالفعل , هناك أمور وتعقيدات أخرى.
الآن, لنعد إلى الرواقية ... 
هذه المعرفة كلها تجعلك تلعب دور المشاهد الذي يحلل الأمور عوض البطل الذي يعيشها (أو بالأحرى الضحية التي تعيش القصة).
كما ترى معي : الأمور التي تحكم عاطفة الإنسان (الرومانسية هنا) خارجة عن سيطرته, هو أصلا لايستطيع أن يجعل نفسه ينجذب إليك.
يمكنك محاولة إظهار نفسك بأفضل شكل Show-off (كما يفعل الطاووس عندما يفرد جناحيه متبخترا), من حقك البيولوجي فعل ذلك..., لكن إن لم يصل ذلك إلى النتيجة المرجوة, فتعامل مع الوضع كرواقي حقيقي, توقف.
ليس فقط أن تتوقف عن ملاحقة الطرف الآخر, بل أيضا ملاحقته عاطفيا, عن طريق ممارسة التدريب والتأمل الرواقي.
- اعرف لماذا تحس بما تحس به
- اعرف لماذا من الصعب تغيير الطرف الآخر وما يحس به
-اعرف لماذا من شبه المستحيل تغيير انسان لاينجذب اليك رومانسيا 
- افهم بيولوجيا الرومانسية والانجذاب الجنسي وما الذي نعرفه
- قم بالتفريق بين ما يمكنك تغييره وما لايمكنك تغييره.
- ركز فقط على مايمكنك تغييره.
اذا فعلت ذلك لأيام أو أسابيـع أو ربما أشهر (أنت على حسب مرونتك), ستجد بأنك قد تجاوزت الرفض (ليس الرومانسي فقط, بل أي رفض).
السر ببساطة يكمن في مراقبة نفسك أنت.
أنا شخصيا ليست تجارب رومانسية (أو بالأحرى هي محدودة جدا), لكن ماكتبته بعض مما أعرفه بشكل "نظري" فقط, لهذا فقد أكون مخطئا في جزئية معينة... لكني لست مخطئا في المبادئ الرواقية التي تجعلك تنجح في تجاوز الرفض.
#philosophy
#stoicism
#biology

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow