رد رشيد الحاحي عن النقاش العمومي الهجومي على الأمازيغية

رد رشيد الحاحي عن النقاش العمومي الهجومي على الأمازيغية
عن الردود والهجوم العنيف في النقاش العمومي :
الأمازيغية هي أساس العقل المغربي وبوصلته ويجب أن تكون فعلا كذلك
À propos des réactions et les attaques violentes dans le débat public :
L’Amazighité est le fondement de La Raison Marocaine et doit être sa boussole
التفكير في الأمازيغية والكتابة عنها باعتبارها أساس العقل المغربي والبوصلة التي بجب أن توجهه فعلا، جاء بعد تتبعي للنقاش الدائر هذه الأيام في بلادنا، وما عرفه من توترات وردود عنيفة من طرف بعض الفئات والأفراد، ومن توظيفات ملتبسة في الصراعات الخفية، الموجهة ضد أفراد وفئات أخرى في المجتمع خاصة الأمازيغ والأمازيغية، ومنها ردود وشتائم عنيفة ذات شحنة نفسية وإيديولوجية شمولية، كتوظيف عبارات " الحيوانات"، "الصهاينة"، "أولاد الحرام"، "الواجب الشرعي"، "التجريد من المدنية والجنسية المغربية"... صدرت عن سياسيين وصحفيين ونشطاء وأفراد، سواء في النقاش العمومي أو وسائل التواصل الاجتماعي، كان من المفروض فيهم وغيرهم أن يتحلوا بقسط من شروط المواطنة وخصال العقل والنقد أو الجدال المتخلق والخلاق في النقاش والتعاطي مع الآراء والاختلافات والتقديرات السياسية والثقافية المرتبطة بأحداث غزة التي تبقى، رغم كل الأواصر الوجدانية والعلاقات القومية والدينية التي تؤجج ردودهم حسب تمثلاهم وانتماءاتهم الإيديولوجية، ورغم وقائع المأساة الإنسانية التي تسببت فيها وكانت منتظرة بالنظر لطبيعة هذا الصراع الذي طال أمده ويعتبر الأطول في تاريخ الصراعات البشرية، والتي لا يمكن إلا أن تثير الشجب والتضامن الإنساني، تبقى أحداث خارجية بالنسبة للمغرب والمغاربة، ولا يمكن أن يبرر اختلاف الآراء والتحاليل والتقديرات السياسية تهجم أفراد مغاربة، مهما كانوا، بعبارات العنف وبشكل هستيري وحس شمولي على مواطنين مغاربة يختلفون معهم في مرجعياتهم وولاءاتهم وتقديراتهم لصراع معقد لا يهم بلدهم ووطنهم بشكل مباشر.
ولا نضن بأن طرفي النزاع أي فلسطين، وخاصة منظمات حماس والجهاد والجبهة والتحرير..، واسرائيل، سيدافعون بنفس حماسة وعاطفة بعض المغاربة عن قضايا المغرب الحقيقية كالصحراء وتهديدات الجوار والمشاكل المستقبلية، ولن يتصارعوا ويتهمون بعضهم البعض وبدرجة العنف التي صدرت عن بعض مواطنينا عندما يتعلق الأمر بمصالح المغرب وقضاياه الوطنية، إن لم يكن العكس كما تأكد من خلال عدة مواقف وتصريحات لبعضهم خلال السنوات الماضية.
ويتضح من خلال تحليل هذه الآراء والردود والعبارات العنيفة أنها نتيجة لعاملين أساسيين: العامل الأول هو الانفعال اللحظي والتعاطي العاطفي مع الأحداث المأساوية التي تعرفها غزة، خاصة أمام حالة الجنون التي طبعت الحرب والرد الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه بعد الهجوم المباغت والعنيف لكتائب حماس وقتلها واختطافها لمواطنين مدنيين إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين، وسقوط الضحايا الأبرياء خاصة من الأطفال والنساء والمسنين واستهداف منشآت طبية، ولا نظن أن عنف الرد وحجم الدمار والقتل كان غائبان عن حسابات قادات حماس السياسيين والعسكريين. والعامل الثاني هو ما أفضت إليه هذه الوقائع والمشاهد المأساوية من عودة الشعور "القومي والشرعي الشمولي" Totalitaire لدى بعض الأفراد والفئات في بلادنا من خلال الردود العنيفة وكيفية التعاطي مع الاختلافات والتقديرات السياسية لأفراد وفئات أخرى ومنها الآراء المتضامنة مع الأبرياء والشاجبة لكل الحروب والمتسمة بالاعتدال والتعقل، وتنظر إلى الصراع والأحداث من زوايا نظر أوسع انطلاقا من تعقداتها وامتداداتها والمسؤوليات المترتبة عنها، وموقع بلادهم في وضع دولي معقد تغيرت فيه موازين القوى ومفتوح على تطورات غير مسبوقة في الصراعات الجيواستراتيجية والاصطفافات الإقليمية والدولية.
مفهوم La Raison، في أبعاده اللغوية والفكرية والسياسية، يمكن ترجمته ب: العقل، الحق، الصواب، الذكاء، البرهان..حسب الحقول الدلالية والمجالات المعرفية والتداولية. لكن يبقى مصطلح العقل أشمل، وخاصة في السياق الذي نوظفه فيه في هذه المقالة، أي العقل البشري، والعقل السياسي، والعقل المؤسس والموجه لوجود ومصالح إنسان وشعب ووطن.
فيعرف العقل La raison ، باعتباره مفهوم فكري وثقافي يعني تلك القوة والملكة الخاصة بالكائن الإنساني، والتي تمكنه من معرفة نفسه والأشياء والعالم الموضوعي من حوله، ومن تنظيم علاقاته مع الواقع، ومن الحكم والتصرف السليمين اتجاهه. إنها مجموعة الملكات الفكرية والمبادئ وطرق التفكير التي تسمح للإنسان بالتصرف بشكل جيد والحكم بشكل جيد. فالعقل هو أساس ملكة الإنسان وقدرته ووضوح فكره خلال إصدار الأحكام والتمييز بين الصواب والباطل، وهو يعارض الردود الحسية ويناقض الجنون والعواطف.
ويقصد بعقل الأمة أو الوطن، المبدأ الوجودي لقيامه واستمراره، وملكة الفكر الفردي والجماعي، الثقافي والسياسي، الذي بموجبه تعتبر المصلحة الخاصة بالوطن هي الغاية والاهتمام الأعلى الموجه لوجوده وعلاقاته انطلاقا من مصلحته العامة.
بهذا المعنى، فالحداثة تتضمن في أسسها الفكرية والثقافية إعمال العقل في النظر والتعاطي مع العالم الموضوعي من حولنا، ومع الوقائع والأحداث البشرية والطبيعية، وذلك بوعي وإدراك محدودية أو زيف العواطف الجياشة والانفعالات الذاتية والولاءات الإيديولوجية والطائفية والاجتماعية في الاختيار والحكم والتصرف، وإعلاء الحقيقة والمصلحة والفعل السليم.
إذن، انطلاقا من هذه الإضاءات المقدمة وأبعاد ودلالات مفهوم العقل خاصة في علاقته بالأفراد والأوطان، والنقاشات الدائرة اليوم في بلادنا خاصة التي طبعها العنف والحس الشمولي، يتضح أن الأمازيغية في عمقها الثقافي والفكري والإنسي، هي أساس العقل المغربي، ويجب أن تكون فعلا كذلك والبوصلة الموجهة لوجوده وعبقريته وإمكانه المهدور، وبنائه المواطنتي ومصلحته الوطنية الفعليين. فالمستقبل، بمنطق التاريخ ودينامية العقل والتطور الحضاري للمجتمعات والأمم، والتأسيس للعقل الوطني الحديث الجديد، هو الأمازيغية، ومستقبل بلادنا رهين بها.
رشيد الحاحي، نونبر 2023

ما هو رد فعلك؟

1
like
0
dislike
1
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow