إزدواجية حجاب المرأة المسلمة بين تطبيق الشريعة و مواكبة العصرنة ،أ هو عفة أم نفاق و تمثيل!
تيجةً لتطبيقِ ما يسميه "التنويريون المسلمون" ب الدين والعصرنة أو بالصحوة الإسلامية، وهو ترقيع أحكام الدين ومحاولة عصرنتها، ننتجت أمامنا أشكالٌ من الهجونة القرفة والتشوهات الثقافية الغريبة في اللباس الذي لا هو دينيّ ولا هو حداثي، إنك ترى فتاة محجبة على رأسها، ولكن لباسها السفلي فاضح وكل مفاتنها بارزة. فلا تعلم هل هي من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال، لقد جعلتْ مهمةَ الملَك صعبة، أيكتب لها حسنات أم سيئات؟!.
أو ترى منقبة تذهب إلى المسبح العمومي في الغرب أو في المدن العصرية لتعوم بلباسها الشرعي الساتر، وعندما تبتل بالماء تظهر عوراتها بائنة من وراء ملابسها الشفافة، بينما أن تعريف اللباس الساتر للمرأة المسلمة في الاسلام، كما يقول الفقهاء، هو: "أن لا يصِف ولا يشِفّ" يعني أن لا يصف عورتَها لضيقه ولصقه بها، ولا يظهرها بسبب شفافيته. زيادة على أن شريعة دينها تحرّم عليها الخروج أصلا، إلا من أجل غرض مثل طلب معيشة ضرورية أو العلاج الطبي..، فما بالك بالذهاب إلى الملاهي والمسابح، أو إلى صالات الرياضة لاهيةً، والاختلاط بالرجال هنالك ؟! إن مجرد خروجها إلى تلك الأمكنة، هو معصية بحد ذاتها حسب تعاليم دينها. لماذا لم تبق في بيتها ماكثةً فيه مثلما أمر القرآنُ، " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ " بدل أن تصرخ في وجه سياسات دول الغرب العلمانية المسيحية، متهمة لها بالعنصرية ونبذ ثقافتها الاسلامية ؟ في حين أنها إنسانة متناقضة لا تعرف ماذا تريد ؟ أو ربما تعمل ذلك متعمّدة، إنها تريد تطبيق دينها وفي الوقت ذاته، لا تريد أن تفوتها مباهجُ الحياة التي تناقض تعاليم هذا الدين نهائيا! ولكن متى كان هناك تصالحٌ بين الدين والحياة ، أتساءل ؟؟ فثمة ازدواجية مقيتة تمارسها المرأة المسلمة بوعي منها أو بدون وعي، وهو شيء مستعصٍ جدا على الفهم. فبعد التوربان أو البونيه ولُبس البوركيني، أصبحنا نرى النساء المسلمات يخترعن لفات حجاب تشبه الشعر، إضافة إلى الماكياج ولباس الموضة المخالفة للباس الشرع الاسلامي مطلقا، ولكن بالنسبة لهن، المهم فقط هو تغطية الشعر بأي وسيلة كانت ، يجاهدن من أجل التوفيق بين الحجاب وحب الحياة، ولا يقتنعن بأن هذا مستحيل مهما حاولن. بالرغم من إدراكهن في أعماقهن، بأن الدين ضد الحياة ولا يتوائم بتاتا مع ميولاتهن الطبيعية كنساء يعشقن الحياة والبماهج الجميلة. ولكنهن بشكل لاوعٍ يخضعن لتعاليمه القامعة لحريتهن والنافية لوجودهن كليا، فيقعن في التناقض بهذا الشكل الممسوخ والمشوه. وأنا هنا لا أسخر منهن أبدا، بالعكس إنني لأشفق عليهن، فهن ضحايا لمنظومة اجتماعية وتنشئة دينية قمعية تحاصرهن من كل الجهات بشكل مرعب ، فيستحيل عليهن خلع الحجاب، لهذا يلجأن لكل الحيل من أجل عصرنته، لمقاومة ضياع شبابهن والرغبة في أن يهبّ نسيم الريح على شعرهن الذي يكاد يتجعد من نقص الفيتامين. والنتيجة اليوم، هي أنّ أغلبية المحجبات يرتدينه مع بناطيل وفساتين ضيقة، خصوصا الصغيرات منهن والشابات. بل إنك لترى بعض المحتجبات اليوم يخترن حجاب النصف؛ إنهن يغطين نصفَ الرأس فقط ويتركن نصفه الأمامي سافرا، ويتركن شعرات تظهر من الحجاب.. ربما كإغراء فيما يرضي الله؟! والمجتمع أصبح يتقبّل ذلك من دون فرض اللباس الشرعي الديني الفضفاض ، لأن المهم لديه هو الهوس بتغطية الشعر وتسمية ذلك بالوسطية والاعتدال وأنه :"ليس ضد الحياة". والفتاة تفعل كل ذلك خوفا من أحكام المجتمع وطمعا في زوجها المستقلي الذي يريدها محجبة عفيفة بمعاييره الذكورية المعروفة لديه. وبسبب الخوف الديني الذي يتوعد المرأة السافرة بحلول نقمة الله عليها، وبدخولها النار خالدة فيها. وليس اقتناعا بالحجاب ولا بالنقاب أبدا، إنها الإجبار الاجتماعي والأسري فحسب، لذا، فنساء كثيرات ينتظرن فرصة الابتعاد عن العائلة عند حصولهن على استقلال مادي-كما هو حال أغلب النساء اليوم بعد أن يستقلن ماديا-، أو ركوب الطائرة إلى بلدان غربية أو الاستقرار في مجتمع متحضر، حتى يخلعن ذاك القماش علنا ويعلنَّ تمردهن على تلك الأحكام والملابس الرجعية. ولكن ماذا لو قررن فعل ذلك في بلادهن وبين محيطهن بكل حرية وجرأة ( ولربما لن يرحمهن محيطُهن وقد يواجهن بسبب ذلك ضغوطات صعبة) ولكن على الاقل عندها نصبح مجتمعا واضحَ المعالم لا يتصرّف إلا عن قناعة تامة.!
ولكن النفاق المحيّر، وكل الشيزوفيرينا هي ما يعاني منها الانسانُ الذي يرغب في تطبيق شريعة البدو في عصرنا الحاضر، فينعكس ذلك في سلوكه وتعامله مع الآخر، إنه شخص متناقض كليا. فالأمر هنا لا يخص فقط البنات أو مسألة الحجاب. ففي الذكور أيضا نفس الشيء ونفس الازدواجية المرعبة. وبهذا التحليل السوسيولوجي يمككنا تفسير تفشّى سلوك النفاق وازدواجية المعايير في هذه المجتمعات الابوية المتأزمة، بشكل جدّ محيّر سواء عند الذكور والاناث. هذه المجتمعات التي أغلبها لا تعرف للصدق والصراحة ولا التعامل بشكل شفّاف وحميميّ أيَّ سبيل!.
إن الانسان الحر الصادق مع نفسه هو من يعيش وجها واحدا.. فكُنْ متدينا إذا شئت، لأن هذا حقك ـ ويجب أن ندافع لك عنه ـ، ولكن لا تكن هجينا ولا منافقا ولا مشوِّها لجمال الحياة الطبيعي.