نظرية التطور في المختبر (تطور العاثيات)

نظرية التطور في المختبر (تطور العاثيات)


يوجد نوع من العاثيات يدعى لامدا Lambda، وهي فيروسات ترتبط بمستقبلات محددة (بروتينات)على سطح خلايا البكتيريا، وتوجد بالمليارات في أمعاء الإنسان، وهي أكثر الكائنات شيوعا على وجه الأرض. عندما تنجح في الارتباط مع هذه المستقبلات تبدأ في حقن حمضها النووي داخل الخلية البكتيرية وذلك عن طريق استهداف بروتين يدعى LamB على سطح البكتيريا،  يعمل هذا البروتين إلى جانب بروتينات أخرى تدعى PORIN كقنوات للسماح بدخول السكريات عبر الغشاء الخارجي للخلية البكتيرية، ويعتبر LamB قناة كبيرة إلى حد ما تسمح للسكريات المالتوز والمالتوتريوز بالدخول إلى الخلية. 
عندما تنمو بكتيريا الإيكولاي على الجلوكوز فإنها لا تنتج الكثير من بروتينات LamB  لأن الجلوكوز بإمكانه أن يعبر من الغشاء الخارجي للخلية البكتيرية من خلال قنوات صغيرة، لكن عند وجود المالتوز والمالتوتريوز تقوم البكتيريا بإنتاج البروتين LamB من أجل توفير قنوات أكبر لعبور هذه السكريات الكبيرة، وفي نفس الوقت تكون عرضة لهجوم العاثيات Lambda التي تستهدف هذا البروتين.
في دراسة نشرت عام 2012 قام جاستين ماير وريتشارد لينسكي وأخرون بإجراء تجربة على بكتيريا E. coli وفيروسات لامدا، معتقدين أن إنماء البكتيريا في الجلوكوز وفي ظل وجود الفيروس، سيجعل البكتيريا تدمر البروتين LamB للحفاظ على بقائها ما سيتسبب في انقراض الفيروس، وأن إنمائها في المالتوز والمالتوتريوز سيجبرها على التعديل على البروتين LamB الشيء الذي سيجعل الفيروس أيضا يتكيف مع هذا التعديل ويستعيد قدرته على الارتباط به. لكن عند إجرائهم للتجربة لم يكن هذا الذي قد حدث.
أظهرت تجربتهم أن بكتيريا E. coli التي قاموا بإنمائها في الجلوكوز. بدلاً من التعديل على جين lamB طورت البكتيريا مقاومة للفيروس عن طريق التعديل على جين آخر يُسمى malT والذي يُشفر بروتينًا يفعل إنتاج بروتين LamB. ومع ذلك لم تنقرض الفيروسات، لأنه لا يزال هناك تعبيرًا منخفض المستوى عن البروتين LamB. وقد كان هذا كافيًا للحفاظ على استمرار الفيروسات واسمرار قدرتها على التطور.
بعد استمرار التجربة لثمانية أيام فقط، تطورت إحدى سلالات فيروسات اللامدا التي قاموا بإنمائها لتمتلك القدرة على إصابة الخلايا التي تمتلك الجين malT المعدل، وذلك عن طريق الالتصاق ببروتين خلوي أخر مختلف يسمى OmpF. ما جعل الفيروسات المتطورة هذه قادرة على إصابة خلايا E. coli من خلال المستقبل الأصلي LamB أو هذا المستقبل الجديد OmpF. ما يعني أنها قد اكتسبت قدرة وظيفية جديدة.
قام القائمون على الدراسة بفحص تسلسل جينوم هذا الفيروس. وجدا أنه قد اكتسب 5 طفرات جديدة على مستوى  الجين الذي يُشفر بروتين J في "ذيل" الفيروس والذي يتفاعل مع سطح الخلية المستهدفة. وقد قاموا أيضًا بتوسيع تجاربهم بإنماء 96 عينة إضافيًة من فيروسات اللامدا و E. coli والجلوكوز. وذلك من أجل فهم التغيرات التي حدثت ودورها المحوري في ظهور هذه القدرة الجديدة.
 في 24 حالة من أصل 96 تطورت الفيروسات لتكتسب طريقة جديدة لإصابة الخلايا البكتيرية خلال ثلاثة أسابيع فقط. وعند فحص تسلسل الجين J الخاص بالفيروسات التي استطاعت استهداف OmpF في تلك الـ 24 حالة. وجد أنها اكتسبت جميعها ما لا يقل عن 4 طفرات؛ طفرتين منها كانت متطابقة في كل السلالات ال24، وطفرت ثالثة حدثت في نفس الكودونات نفسها، وطفرة رابعة كانت دائمًا ضمن مدى 11 كودونًا. تسببت جميع هذه الطفرات في استبدال الأحماض الأمينية بالقرب من نهاية تسلسل البروتين J الذي يتفاعل مباشرة مع المستقبل LamB. 
البروتين J يحتوي على أكثر من 1100 حمض أميني، ولذلك فإن هذا التركيز والتطور المتوازي في بنيته الجينية يشير بقوة إلى أن الانتقاء الطبيعي له اليد العليا في تثبيت هذه الطفرات. وقد تبين أن الفيروس لا يمكنه اكتساب هذه القدرة إلا بتوفره على هذه الطفرات الأربعة مجتمعة، وغياب طفرة واحدة منها تجعله عاجزا عن إصابة البروتين OmpF .

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow