هل الهدف من البصمات هو التعرف على المجرمين؟
في الحقيقة هذا مثال على التفكير التيليولوجي الغائي Teleological Reasoning ...
في اليونانية تيلوس Telos تعني "الغاية", بالتالي : التفكير الغائي - التيليولوجي, هو الذي يقوم بتفسير الظاهرة على أساس أن هناك غاية منها.
في الفلسفة والمنطق, هذا التفكير يعتبر مليئا بالمشاكل المنهجية. تكون الحجج التيليولوجية بهذا القالب المنطقي :
- مسلمة 1 : إذا كان A يقوم بالوظيفة B فإن غاية A هي الوظيفة B
- مسلمة 2 : A يقوم بوظيفة B
- إذن : الهدف أو الغاية من A هو الوظيفة B.
لاحظ معي كيف يفشل هذا النوع من التفكير :
-مسلمة 1 : إذا كان A يقوم بالوظيفة B فإن غاية A هي الوظيفة B
-مسلمة 2 : الحجر يقوم بوظيفة تسكير الجوز
- إذن : الهدف أو الغاية من الحجارة هو تكسير الجوز
لكن الحقيقة أن الحجارة ليس الهدف من وجودها هو تكسير الجوز, هذه الوظيفة وظيفة عارضة, وليست وظيفة غائية ...
وبما أننا نعرف ذلك, ما يجعل الاستنتاج خاطئا, فهذا يعني أنه إما أن المسلمة 2 خاطئة أو أن المسلمة 1 خاطئة.
وبما أننا نعرف أن المسلمة 2 صحيحة, فهذا يجعل المسلمة 1 خاطئة : ليس الأمر أنه اذا كان A يقوم بالوظيفة B فإن غاية A هي الوظيفة B .
مثال آخر :
-مسلمة 1 : إذا كان A يقوم بالوظيفة B فإن غاية A هي الوظيفة B
-مسلمة 2 : الأذنان والأنف تثبت النظارات.
- إذن : الهدف أو الغاية من الأذنين والأنف هو تثبيت النظارات.
لكن ليست هذه الغاية منهم, مرة أخرى : هذا يؤسس لفكرة أن المسلمة التيليولوجية التي تفترض أن ما يقوم به الشيء هو غايته بالضرورة هي مسلمة خاطئة تماما.
لماذا هي خاطئة؟
لأنك لو استخدمتها في حجة منطقية, فأحيانا ستحصل على نتيجة صحيحة , لكن أحيانا اخرى ستحصل على نتيجة خاطئة ... رغم أنها نفس المسلمة.
مبدأ الانفجار The Principle of Explosion في المنطق يأتي دائما من شيء متناقض أو شيء خاطئ :
ايكس فالصو كوودليبيــت Ex Falso Quodlibet
(باللاتينية : من الخاطئ يتبع كل شيء )
لنعد الآن إلى الموضوع الأساسي ... هل الهدف من البصمات هو التعرف على المجرمين؟
لايمكنك استخدام المسلمة 1 فوق, بالتالي : لايمكنك استنتاج أي غاية, لا من هذا ولا من أي شيء آخر.
نحن نعرف أن وظيفة البصمات هي التعرف على المجرمين (في سياق جنائي اجتماعي), لكن لايمكننا استنتاج ذلك باستخدام التفكير التيليولوجي, لأننا نعرف أنه ليست هذه غايتها.
لاحظ :
-مسلمة 1 : إذا كان A يقوم بالوظيفة B فإن غاية A هي الوظيفة B
-مسلمة 2 : البصمات تستخدم لكشف المجرمين
- استنتاج 1 : إذن , غاية البصمات هي كشف المجرمين
- مسلمة 3 : الرئيسيات تملك بصمات (الصورة)
- استنتاج 2 : الرئيسيات تكشف المجرمين باستخدام البصمات.
لكننا نعلم أن الاستنتاج 2 خاطئ, الرئيسيات لا تستخدم البصمات لكشف المجرمين, وحتى البشر لم يستخدموا البصمات لآلاف السنين, بالتالي : ليست هذه غايتها.
الفكرة ليست بالضرورة هذا الموضوع, الفكرة أن القالب المنطقي للتفكير الغائي أصلا فيه مشكلة جذرية, تتلخص في أنه لايعطيك استنتاجا صحيحا في أغلب الاحيان, لأن القالب أصلا ليس بتلك الحمولة والقوة الفلسفية التي تجعله قالبا منطقيا قائما على أرضية صلبة..
بالتالي هذا التفكير الغائي مصدره بالأساس هو الحدس العامي Common Sense , ذلك النوع من التفكير التقليدي الذي تكتسبه بحكم المجتمع والعادات.
لكن ليس أي شيء يبدو منطقيا للحس العامي التقليدي بالضرورة صحيحا, فيزياء الكم لا تحترم شيئا من الحس العامي رغم ذلك هي صحيحة.
#logic