"قلق الموت" : مشكلة تواجه الإنسان بعد الخمسينات بقلم عبد الرحيم الوالي
عدد كبير من الناس اللي كيتجاوزوا سن الخمسين، وكيوصلوا لمنتصف العقد السادس وما بعده، كيولي عندهم مشكل ديال التوتر الدائم، والعياء المفرط، والأعصاب ديالهم كتولي على سبة، وما عندهم الخاطر لحتى شي حاجة. وهاذ الشي بقدر ما كيأثر عليهم هوما فحد ذاتهم كتكون عندو كذلك آثار سلبية على المحيط الأسري ديالهم. وكيبقاوا يتساءلوا اشنو اللي مخليهم فذيك الحالة. ولكن بدون جدوى. وبطبيعة الحال كاين واحد العدد منهم اللي كيلتجأ للأطباء والأدوية اللي هي عبارة عن مضادات ديال القلق والتوتر، واللي كتكون عندها بالضرورة آثار جانبية، وكاين اللي مع الأسف كيلتجأ للمخدرات والخمور، وكاين حتى اللي كيلتجأ للشعوذة والخرافات، وكاين اللي كينعزل وكيلقى الملجأ فالعبادة وكينسحب اجتماعياً...إلخ وكيبدا يردد أن الدنيا فانية وكيبكي بالليل والنهار خوفاً من عذاب القبر وجهنم.
وسواء مشى الإنسان لهاذ الاختيار أو ذاك النتيجة هي أنه كيولي كئيب، وحزين، وكينشر الحزن والكآبة ديالو فالمحيط ديالو. وهاذ الحالة كتعاني منها عدد من الأسر في صمت وما كيقدروش الناس يتكلموا عليها بوضوح. والواقع أن الإنسان اللي كيوصل لهاذ المرحلة من العمر كتبدا تتحرك عندو فاللاوعي ديالو واحد الديناميكية نفسية اللي من السهل نفهموها. وهي كيف گلنا ديناميكية لاواعية، يعني ما كيكونش واعي بها، وحتى إيلا گلناها ليه غالبا كينكرها وكيگول بأن هاذ الشي ما كاينش. وهو فهاذ الحالة صادق مع نفسو ومعانا ماشي كيكذب، لأنه بالفعل ما واعيش بذاك الشي اللي كيوقع فالداخل ديالو.
الإنسان ملي كيوصل لهاذ السن كيكون فات منتصف العمر الافتراضي ديالو، وكيكون عدد السنوات اللي باقين ليه أقل من ذاك الشي اللي عاش إلا فحالات نادرة اللي فيها بعض الناس كيتجاوزوا 100 سنة. وهنا، فاللاوعي ديالنا، كيبدا يتحرك نازع الموت والتفكير اللاواعي ديالنا كيبدا يهيأنا نفسيا باش نتقبلوا فكرة الموت، ونتقبلوا أننا غادين نغادروا هاذ العالم، وغادين نخليوا ورانا الناس اللي عزاز علينا، والممتلكات ديالنا، والأماكن اللي عندنا معها علاقة حميمية، وكنكونوا بالتأكيد ما وصلناش لجميع الأهداف اللي كنا باغين نوصلوا ليها فالحياة. والخطر بالضبط كاين فأن هاذ الشي كامل كيف گلنا كيبدا يحصل فالدواخل ديالنا واحنا ما واعينش به، والأحلام ديالنا مرة مرة كتبدا حتى هي تعبر على فكرة الموت، ويمكن نبداوا نشوفوا فالحلم ناس اللي كانوا معانا فالحياة وسبقونا فالموت...إلخ. وهاذ التجليات كلها ما هي إلا تعبير على ذاك النازع النفسي الخفي، اللاواعي، اللي هو نازع الموت واللي كيسميه التحليل النفسي "تاناتوس" Thanatos واللي هو فالأصل الاسم ديال إله الموت فالميتولوجيا اليونانية.
الإحساس اللاواعي بهاذ الشي كامل كيتولد عليه نوع من القلق اللي كنسميوه "قلق الموت" L’angoisse de la mort واللي كيمكن يتطور فالحالات القصوى لمجموعة من الحالات العُصابية اللي كتتخذ أحيانا شكل رُهاب، يعني فوبيا، يعني حالة ديال الخوف المَرَضي من شي حاجة بحال "رهاب الزحام" ولا "رهاب الأماكن المغلقة" ولا غيرها. وفحالات أخرى يمكن الأمر ما يوصلش للرهاب ولكن كيف گلنا كيتحول لحالات اكتئابية ولا لبارانويا ولا مجرد حالة ديال التوتر المزمن اللي كتحول حياة الشخص والمحيط ديالو إلى جحيم لا يطاق.
السؤال الآن هو كيفاش يمكن تتعامل مع هاذ الحالة ملي توصل هاذ السن وتولي معرَّض لهاذ الوضع النفسي؟
منطقيا، فمقابل "نازع الموت" كاين "نازع الحب" اللي هو "إيروس" Éros واللي هو فالأصل اسم إله الحب عند اليونان القدماء. والتحليل النفسي كيعلمنا أنه بقدر ما كيضعف إيروس كيتقوى تاناتوس والعكس صحيح، يعني قد ما كيضعف نازع الحب كيتقوى نازع الموت، وقد ما تقوى نازع الحب بالنتيجة كيضعف نازع الموت.
ولكن، أشناهو "نازع الحب"؟
على عكس ما يمكن يفهمو الناس بشكل سطحي الحب هنا ماشي بالمعنى الضيق وإنما كيشمل جميع المستويات اللي يمكن تتحقق فيها اللذة، يعني اللي يمكن – وفق القاموس ديال التحليل النفسي – تتصرف من خلالها الطاقة الليبيدية اللي هي "الرغبة" فالأصل (مصطلح "ليبيدو" فالدلالة الأصلية ديالو معناه "الرغبة"). وبالتالي أي حاجة عندي فيها رغبة وكتحقق لي لذة فهي كتقوي عندي "نازع الحب" وبالنتيجة كتضعف عندي "نازع الموت" وكتقلص "قلق الموت"، وهي وسيلة للوقاية من هاذ القلق فحد ذاتو، ووسيلة للوقاية كذلك من الحالات المرضية اللي كيأدي ليها. وربما أول موضوع ليبيدي، وأقرب موضوع ليبيدي، بالنسبة لأي واحد فينا هو الجسد ديالو. قد ما اعتنيتي بالجسد ديالك، وحافظتي على القدرات الجسدية ديالك وطورتيها، غادي يعجبك الجسد ديالك وغادي تحس باللذة. إيلا أنت فالخمسين وما فوق عاطيها للگارو وكتحس بريحتك خانزة، والتنفس ديالك مخنوق، وأي مجهود بدني كيخليك تحس بالإجهاد، طبيعي نفسك ما كيعجبهاش هاذ الشي، وكتبدا تردد أنك كبرتي وعيتي وأن بقى قدامك غير الموت. ولكن شوف الأمر من زاوية أخرى وشوف أنك كتشري بفلوسك واحد الوسيلة اللي كتهلك ليك صحتك. وعوض تصرف 900 درهم شهريا باش تكمي بكية ديال الگارو ب30 درهم يوميا، احبس التدخين، وتسجل فنادي رياضي فحي شعبي ب 100 درهم شهريا، وغادي تلقى بعد ست شهور أن القدرات الجسدية ديالك تحسنت، وأن ريحتك ما بقاتش خانزة، ووليتي ديما مدوَّش ونقي. وما زال عندك 800 درهم ويمكن ليك تاخذ تغذية مزيانة ب 400 درهم. وتقدر ب 400 درهم الأخرى تمشي تدير حوايج اخرين كيحققوا ليك اللذة والمتعة حسب الوضع ديالك. إيلا عندك مثلا ولد صغير ممكن تديه لحديقة الألعاب وتنشط معه. عندك التيساع فالدار ممكن تخصص بلاصة تدير فيها شي هواية، ولا تربي حيوان أليف، ولا تخرج مع الشريك(ة) ديالك، ولا تنشغل فأي حاجة اللي تخليك تتلذذ وتستمتع. كل حاجة كتخلق عندك اللذة إلا وكتنشط الطاقة الليبيدية بالمعنى الواسع ديالها. وكلما نشطت الطاقة الليبيدية كيتحرك إيروس، نازع الحب، وكيتعزز ويتقوى. وكلما تعزز وتقوى كيضعف نازع الموت، تاناتوس، وكينخفض قلق الموت وغادي تحس براسك مزيان. الحل فهاذ المعادلة البسيطة بين نازع الحب ونازع الموت.