تفكيك التحيز: رؤية معاصرة لنقد عبد الله العروي للثقافة الشعبية المحلية

تفكيك التحيز: رؤية معاصرة  لنقد عبد الله العروي للثقافة الشعبية المحلية

هل راجع عبد الله العروي موقفه النقدي الرافض للتراث والثقافة الشعبية؟

الثقافة الشعبية "الفلكلور"  من تجليات التأخر التاريخي ومادة هجينة للتفرج على الشعب المتخلف من طرف الذين هم في مقدمة التاريخ

هذا مقتطف من مناقشتنا لموقف الأستاذ العروي في كتابنا "الأمازيغية والسلطة، نقد استراتيجية الهيمنة"، منشورات وجهة نظر، الرباط 2009، ومقتطف من تصورنا لأهمية الثقافة الرمزية والتراث الأمازيغي في إطار رؤية ثقافية وإبداعية معاصرة، كما حللنا ذلك في كتابنا "النار والأثر، الرمزي والمتخيل في الثقافة الأمازيغية"، منشورات إركام، الرباط 2006، وتناولنا أيضا البعد السياسي للموضوع في كتابنا "الأمازيغية والمغرب المهدور"، منشورات الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، الرباط 2013: 
مقتطف من الأمازيغية والسلطة:
في كتاب "الايديولوجية العربية المعاصرة"، طرح عبد الله العروي بتفصيل وقوة موقفه من الثقافة الشعبية التي يسميها بالفلكلور، حيث اعتبرها خالية من اية قيمة ثقافية وتعبيرية، وربطها  جملة وتفصيلا بتجليات التاخر التاريخي وبالتفرج على الشعب المتخلف وهو يلعب ادواره الفلكلورية من طرف اولائك الذين هم في مقدمة التاريخ. وهذا ما يتطلب المناقشة اعتمادا على بعض الملاحظات التي نراها هامة لمساءلة هذا الموقف، وإعادة النظر في الموضوع من زاوية ثقافية ونقدية تراعي التحولات التي عرفتها الثقافات والمجتمعات، وحاجة الدونية منها اليوم الى تجاوز المستوى الذي تصير فيه الثقافة الشعبية عائقا امام التطور الثقافي الى مستوى ابداعي ورمزي معاصر يستجيب لحاجياتها االراهنة . 
إن القول بضرورة التميز بين ما هو فني حقا وما هو فلكلوري ، لا يبرر صرامة موقف  عبد الله العروي  الذي  لا يرى في الثقافة الشعبية إلا " الهجانة" و تكريس للتفرج على الشعب. فنعلم ان السياسة الثقافية في بلد من البلدان هي التي تكون مسؤولة عن تحويل التعابير التي تحفل بها الثقافة المحلية والشعبية الى فولكلور ومادة فرجوية وبطائق سياحية لا يستمتع بها الا السياح او المنتمون الى مقدمة التاريخ ، ذلك ان هذه التعابير والانتاجات والممارسات الرمزية تقبل مختلف المقاربات و اشكال التوظيف، ولا تحدد قيمتها إلا من خلال نظرة المجتمع والدولة اليها وكيفية توظيفها في سياق السياسة الثقافية  والاختيارات المؤسساتية .
 بل أن الحكم على ثقافة معينة بالبقاء على تخوم الهامش وفي خانة الثقافة الشعبية ، لا يعدو ان يكون قرارا سياسيا وإيديولوجيا تمليه مصالح فئات اجتماعية معينة عبر ممارسة السلطة وتحديد السياسات الثقافية  واستراتيجية الانتخاب الثقافي . كما أن الإقرار بالصفة الثقافية والتعبيرية لهذه الانتاجات والممارسات، لا يعني التمسك بوحدة التعبير وتساوي الادب العالم والمحكي والموسيقى والنحت  والطرز...، كما ذكر عبد الله العروي، رغم ان هذه التعابير ظلت موضوع نظرة واحتياط رمزي سياحي.
إن الوضع الثقافي العام في مجتمع من المجتمعات ، وما يرتبط به من سياسات و اختيارات مؤسساتية، وما يترتب عنه من تراتبيات وتفاوت في قيم ووظائف ومكانات اللغات والمكونات الثقافية والزمر الاجتماعية المالكة لها أو المنتمية إليها، هي نتيجة مباشرة لعلاقات قوى و إنتاج ولتدابير وعوامل تاريخية ، ذلك أن تفوق لغة وثقافة معينة وتمتعها بشروط الذيوع والتطور والعصرنة ، في مقابل تهميش لغة وثقافة أخرى تحريمها من عوامل التقدم والتحديث ، لا يعدو أن يكون نتيجة لأوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية حاسمة، وما تحيل عليه من علاقات السلطة والهيمنة.

وبما انه لا داعي لان نتساءل هل يمكن أم لا الاستغناء عن مرحلة الثقافة الشعبية هذه، حيث يكفي ان نحكم عليها الان حسب قيمتها الحقة ، كما كتب العروي ، وتزويدنا بثقافة عصرية شكلا ومطابقة لوضعنا التاريخي ، فان من الواضح اليوم أن الثقافات العصرية في البلدان المتأخرة، ووجودها الثقافي في الوقت الراهن هي مهددة تحت تأثير الثقافات القوية والمعززة بالوسائط الثقنية والمضامين والحساسيات الاستهلاكية، حيث برزت حاجة الثقافات المستهلكة والمستضعفة  الى تطوير وتقوية فعاليتها الرمزية ونبوغها التعبيري حتى تقدر على المنافسة وتلبية رغبات وحاجيات أفرادها و مجتمعاتها . ومن المطروح اليوم، أن هذا المسعى يتطلب اعتماد سياسات تقافية جديدة تستثمر خصائص هذه الثقافات والتعابير، وتعيد ابداع مقوماتها الرمزية والمتخيلة في انتاجات معاصرة، وذلك في سياق تصور تنموي وإبداعي حديث.
فالسؤال  الجدير بالطرح ،اليوم، هو مدى توفر ارادة حقيقية ، وكفاءة ابداعية  وتدبيرية كافية لتحديث الامازيغية وتقوية مساهمتها في خلق وتطوير الامكان البشري المغربي، ووضعه التنافسي والابداعي، وذلك بتبويئها مكانتها ودورها الفاعل في اطار سياسة لغوية وثقافية  وابداعية  قادرة على المساهمة في تحديث الثقافة والمجتمع و تنميتهما ؟
مقتطف من النار والأثر:
  لقد تبين ان موضوع المتخيل يحظى بمكانة أساسية في تناول ودراسة أهم مجالات ومواد الثقافة الامازيغية، ويمكن اعتباره سواء على المستوى المنهجي او على مستوى المقولات الثقافية، المقوم الناسج للأشكال التعبيرية والممارسات الرمزية التي عبرت من خلالها هذه الثقافة وكائنها الثقافي عن نفسهما.
فسؤال الرمزية والمتخيل في الامازيغية، يطرح نفسه في صميم قضايا الانسية المغربية وكيانها الثقافي، وذلك كمعطى أساسي في كل محاولة لفهمه وإدراك أشكال الاستعداد و التمثل و التصور، و التعابير والمواقف التي تميزه ككيان متخيل. ويفترض الإدراك المستند إلى الخلاصات السابقة، التفكير بشكل نقدي وخلاق في امكانيات ابراز فعاليته الرمزية، وذلك بتوظيف و اعادة ابداع عناصرها ومقوماتها التخيلية و الذهنية عبر أشكال تعبيرية وفنية معاصرة. ويقتضي ذلك تصورا ثقافيا حداثيا، يقوم على نظر ابداعي و تناول نقدي يتجاوزان حدودية السؤال التراثي و ثنائياته التقليدية، كالأصيل و المعاصر، و التراث و الحداثة، و الهوية و الآخر، وما يتصل به من توجس وانتكاص أو استيلاب ذات منزع ايديولوجي وميتافيزيقي معيق، إلى صعيد المقاربة الاختلافية و الرؤية الإبداعية القادرة على تحرير الكيان الثقافي المغربي، بانتمائه المجالي و المحلي وتمظهره الشعبي و الإنسي، من تخوم المطلق والنظر اللاتاريخي، و الممارسات و التصورات التي تسجنه وتعيق إمكانيات تصحيح المغالطات التي نسجت حوله. الشيء الذي يبقى ضروريا لإعادته بشكل فعلي و إنسي وعلمي إلى قلب أسئلة التنمية و الحداثة والمواطنة التي كثيرا ما تتناوله موضوعا وخطابا، وتقصيه او تختزله في كلشيهات جاهزة، إدراكا وتفكيرا و فعلا . ويتأكد على هذا الصعيد، وبخصوص المقوم الامازيغي للكيان الإنسي المغربي، أن هويته التي طالما خنقتها النظرة الميتافيزيقية ودغمتها، وكأنه كائن قاحل ومبتور يمكن القفز على واقعه وحقيقته الإنسية و امتداداته الاجتماعية، ترتبط بتصور ورمزية تمتد في الزمن وفي أعماق الكيان، ذات مقومات أرضية وأفقية واضحة، تحكم احساسه ووجوده  وبالتالي مكانته ودوره الفعلي في اطار اية استراتيجية ومشروع سياسي وثقافي وطني يطمح الى  اعادة الاعتبار  لعناصر التعدد والفعالية الرمزية في سياق ورهان تحديث المجنمع وتنميته

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow