ميكيافيلي عراب الاستبداد السياسي الذي ٱنقلبت عليه أفكاره
أورد ميكيافيلي في باب " الرأفة والقسوة" من كتاب الأمير ما يلي :
[ من الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك، ولكن مادام من العسير أن تجمع بين الأمرين، فمن الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك إذا توجب عليك الاختيار بينهما... فالناس ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون و شديدو الطمع] .
الغريب أن نيكولو ميكيافيلي الذي يعتبر أب نظرية السياسة الواقعية كتب كتاب "الامير" الشهير في منفاه بعيدا عن فلورنسا موطنه ، و كتبه ليهديه للورينزو الثاني لعله يكسب وده ويصفح عنه ويعيده الى موطنه بعدما نفاه جد الأمير كبير عائلة الميديتشي الحاكمة .
استجمع ميكيافيلي كل أفكار التخويف والتطويع والسلطوية في كتاب الامير راجيا ان يكسب بها العطف اذا نهج لورينزو الثاني عكس ما اوصاه به في كتاب الأمير فيسامحه ويصفح عنه ، ولم يحدث ذلك و لم يدخل ميكيافيلي فلورنسيا الا ميتا محمولا على نعش ليدفن في كنيستها .
المغزى من هذا الاقتباس، هو تذكير فرقة الطبالين والغياطين بأن السلطوية لا ترى الناس إلا جوعى طماعون كما أسس لها ميكيافيلي، و أنه مهما طبّلوا وامتهنوا التصفيق وصبغوا خراب السلطة بفرشاة الإفتراء فلن يكونوا عند السلطة إلا بؤساء وأُجراء إكترت منهم ألسنتهم لتستخدمها سوطا على الاخرين، وعندما تجد أفّاكين أفضل منهم في النفاق والرياء و التطبيل لن تتوانى في الرمي بهم الى غياهب العدم و البؤس، وسيظلون مذلولين دون كرامة وشرف.
الانظمة الميكيافيلية؛ الشمولية منها والسلطوية، ليس لها أصدقاء، فقط لها مياومون يتنازلون عن شرفهم قبل ولوج عتبة بلاطها ولم يثبت التاريخ أن طبالا ظل في منصبه السامي خالدا، فميكيافيلي نفسه منظر هذه الافكار عاش منفيا في قرية يلعب النرد ويحطب الحطب بعدما رآه آل ميتيدشي خائنا وليس مصدر ثقة رغم قضاءه 25 سنة كديبلوماسي قبل حكمهم لفلورنسيا، ولم يكسب ودهم رغم كتاب الأمير الذي أهداه لهم، فهو أوصى الامير أن لا يرحم وأول ما فعله الأمير أنه لم يرحم ناصحه مكيافيلي .
فما بالك بطبالي اليوم ومن ينشر شطحاته مزينا مبررا الحكرة والظلم و القمع ، ويحاول إيهام الناس ان القهر دهريا ذو سمة القدرية، وأنه من اللازم ان تكون لنا دولة القوة بدل قوة الدولة.
هكذا الأبواق دائما، تنادي في الجموع لتحمد الله على السوط الذي يجلدها وتحاول ان تصور لهم الحياة دون قمع عبث في عبث، كل ذلك مقابل بعض الفتات والإكراميات ومقابل التخلي عن الشرف و الكرامة .
المتسلط لا يرى في محيطه بما فيه مداحيه وطبّاليه إلا مرتزقة و متسولي الهبات، لا ذمم لهم ولا يستقرون على رأي، ومتاجرين بالموقف و الشرف. قد يحترم خصومه أكثر من طباليه إذ يعرف أنهم مجرد انتفاعيين ويقايضون الكرامة بسعر.