كان شيخ مدرسة التعليم العتيق باربعاء رسموكة في سوس، ولكن اليوم على حسب ما وصلني أصبح عضو مجلس علمي في مدينة تزنيت ولم يعد شيخا في المدرسة ..
هو شيخي في سوس الذي أعزوا إليه أولى بذور المعرفة، هو من علمني حب القراءة .. وألهمني حب الأدب والشعر ، حب التاريخ ..ولكن لا شك بأن شيخي اليوم لن يفتخر بي كتلميذ له يحبه ويعشق دروسه وأسلوبه الرائع في تلقين المعارف .. لا أدري صراحة رأيه في الإختلاف الفكري والديني...كان أول كتاب تاريخي قرأته في حياتي على مسامعه ،كان يحب كل من يقرأ الكتاب ، لذلك كنت من المقربين إليه لدرجة أنه فتح لي باب مكتبته ويحسبني مثل ابنه ،كانت الكتب تغطي جدران الغرفة ، لقد كان شيخا استثنائيا في سوس لأنه إنسان مثقف جمع بين العلوم الشرعية وبين الفنون الأدبية الاخرى حتى أنه في ذلك الوقت يهتم باللغة الإنجليزية رغم أنه بلغ الخمسين من عمره ، بخلاف الفقهاء السوسيين..أغلبهم كان يقتصر باعه في المعارف الدينية وعربية، من نحو،وفقه ،وأصول ،وحديث فقط...
مازلت أتذكر أنه ذات يوم ذهبت معه في سيارته لمدينة تزنيت ومعي كتاب ذرة الغواص في أوهام الخواص لأديب عربي مشهور أبو القاسم الحريري صاحب المقامات، ذلك الكتاب يحتوي على مجموعة من الألفاظ اللغوية التي يستعملها المؤلفون في غير معناها ولا موضعها وكان من أوائل العربية التي طبعت في مصر سنة ألف وثمانمائة وخمسة وخمسين ميلادية...وخلال الطريق قال لي أنا أعرف جيدا أنك ترسل شعرك هذا لإعجاب الفتيات، ولكن قواعد المدرسة وآدابها يقتضي أن تلتزم مثل جميع الطلبة ،وعندما تبتعد من هنا افعل ما يحلوا لك ...كان إنسانا صريحا غير متصنع، بشوشا متواضعا ولم يكن صلفا متكبرا مغرورا ...لم يكن يهتم كثيرا بالمظاهر واقتناء الملابس الفاخرة من جلابيب ثمينة مثل عادة الشيوخ..
كنت أذهب لمنزله للمطالعة ،وكان يأخذ له مكانا في زاوية المجلس ويتوكأ على وسادة وهو يسمع لي ،وفي نفس الوقت يصحح لي الأخطاء النحوية، كما يوسع لي في الأحداث التاريخية الواردة في ذلك الكتاب التاريخي بعنوان تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي..
كان هذا الكتاب أول بذرة شك في عقلي ، عندما اصطدمت بالحقائق التاريخية !!.. ومن قبل كنت اظن مثل كثير من طلبة العلم بأن التاريخ الإسلامي جنة خضراء لا يمكن ان تشبه التواريخ البشرية الاخرى خصوصا فترة الصحابة والتابعين ، كم كانت صدمتي عندما قرأت بأن الصحابة اقتتلوا بينهم على كرسي الخلافة بعد وفاة الرسول مباشرة ، لقد كان هذا شيئا عاديا في الواقع ،ولكن الصورة التي عرفنا بها الصحابة في طفولتنا كانت كاذبة مضللة ،ومليئة بالتقديس والتعظيم الزائد لهؤلاء الاشخاص الذين ليسو سوى بشر مثلنا، بل نحن أفضل منهم لأنهم مجرد أميين بدويين ..ولكن بعد قراءتي لذلك الكتاب وتوسعت بعد ذلك في كتب أخرى ، تأكدت بأن التاريخ الإسلامي لا يختلف عن أي تاريخ بشري آخر قديما...
مجموعة من قطاع الطرق والطغاة والجبارين يحكمون الناس بالسيف والسوط،وياكلون أموال الفقراء عن طريق الضرائب والإتاوات التي يجمعها الجنود من الفلاحين، وبالأخص من المسيحيين واليهود الذين اعتنق عدد كبير منهم الاسلام للتهرب من دفع الضرائب لخزينة خلفاء المسلمين...الذين يشيدون القصور ويستمتعون بالحياة على حساب آلاف الفقراء ..والاقتصاد الذي تقوم عليه تلك الدول هو الغزو والضريبة فقط ، وعندما تتوقف الدولة عن الغزو تتوقف الحياة ...
تأكدت بعد قراءتي لذلك التاريخ في الشرق وفي التاريخ المغربي كذلك وبعض من لقطات التاريخ الاروبي بأننا نعيش في أفضل العصور على الإطلاق والأجمل سيأتي ...
0
0
0
0
0
0
0