حتمية الحياة و إرادة الفرد: كيف تنصهر شخصياتنا مع المجتمع
حتمية الحياة، أمام إرادة الفرد. لقد ولد في بيئة صعبة، أب مهمل، وأم مريضة بثنائية القطب، تركتهم منذ زمن طويل وهم أطفال .. اضطر (ليب) أن يكافح في هذه الحياة لوحده، فقط اخته من كانت تقدم له القليل من الدعم، هي فقط من كانت ترعاه قدر المستطاع لأنها كانت طفلة أيضا، بالإضافة إلى أنه كان يعيش في حي جنوبي قذر، حيث يتوفر فيه كل شيء، كل أنواع المخدرات والمشروبات الكحولية والسجائر، لقد كان من الصعب أن لا يتذوق الكثير منها، لكنه ورغم كل ذلك كان متفوق في دراسته، رغم غياب المقومات، إلا أنه كان يمتلك ذكاءً كبيرا جدا، حصل على شهادته الثانوية، وقد كان من الأوائل، ومن ثم توجه إلى الجامعة من أجل أن يحصل على شهادة يغير من خلالها حياته، يحاول الخروج من دائرته، من هذا الكابوس الذي يعيش فيه منذ أن جاء إلى هذه الحياة. لكن الحياة ليست بتلك البساطة، يقع في الكثير من المشاكل على رأسها إدمانه للكحول .. لا يستطيع الاقلاع عنه، لأنه شرب أول كأس له عندما كان طفل صغير وأمام أعين والده (فرانك) الذي لا يكترث. هذا الإدمان يبدأ بتدمير حياته، يتورط في علاقة مع إحدى أستاذاته، تزيد الطين بله عندما يُكشف الأمر، ليأتي إشعار بالطرد، طيلة أحداث المسلسل نرى ليب ذلك الشاب الذكي، الذي تفوق قدراته طبقته الاجتماعية، لكن الخروج منها لا يحتاج للذكاء فقط، بل إن البيئة نفسها تفسد كل شيء. أحلام كبيرة قمت بتعليقها عليه، كنت أرى أنه قادر على الانعتاق من حياة عائلة غالغر، أكثر شخصية ارتبطت بها أثناء مشاهدتي للمسلسل، لكن الأمور ساءت لدرجة أنه أصبح يعيد حياة والده فرانك، الأمر كان مؤلم له ولي، ولكل شخص ولد في بيئة صعبة، ويعرف أن الخروج منها يحتاج لمجهودٍ مضاعف .. لقد حاول ليب بكل الطرق، كافح وجاهد، لكن جيناته، والبيئة الذي عاش فيها كانت تسحبه دائما للخلف .. لينتهي به المطاف متزوج من إحدى نساء الجنوب، زوجة وطفل وحياة بائسة روتينية، يقبل بأشياء أقل بكثير من قدراته العقلية. يعتقد أنه سعيد. يعمل في ورشة لإصلاح الدراجات النارية، عمل لا يعتمد على ذكاءه بأي شكل من الأشكال. أو قبل ذلك في توزيع المأكولات الخفيفة، حيث يصادف زبون فجأة يجني أموال كثيرة من البرمجيات، ومع ذلك عالق في برمجة بسيطة جداً، يقوم بفك شيفرتها بسرعة البرق، ليعطي له الزبون القليل من البقشيش. أمر مؤسف أن تمتلك كل هذا الذكاء والامكانيات لكنك لا تستطيع تجاوز بيئتك، والسبب مخلفات الطفولة، الحياة القذرة التي جُبرت عليها، فأنت خلقت وجدت نفسك في عائلة مثل هذه، فرانك هو فرانك لا يؤمن بالتربية، لذلك لم يقدم لك إلا التراجيديا طيلة حياتك، لينتهي بك المطاف لتكون فرانك أخر .. هكذا نكرر أنفسنا داخل دوائر صغيرة، حيث لا يستطيع أي أحد منا مغادرة دائرته مهما كافح وجاهد .. كانت رسالة قوية من المؤلف، حزينة وصعبة لكنها واقعية، لم يرسم لنا وصول ليب في أخر المطاف لأحلامه، أو فقط للمكانة الذي يستحقها، بل صور لنا الفشل في الحياة، معظم سكان الأرض هم ليب، فاشلون، لا أحد منا يستطيع مغادرة طبقته، حتى في ضل وجود المقومات لذلك، لأن تكويننا غالب على أمره، هناك استثناءات لكنها حتما ليست القاعدة، استعرض لنا (بول أبوت) القاعدة؛ حاول أن يظهر لنا كيف أن الإنسان لا يختار ولادته كبداية، أو جنسه الذي سيولد به، ولم يختار أسرته ولا حالتها الاجتماعية، ولم يختار بلده ولا البيئة المحيطة بها، ولم يختار ديانته، ولم يختار الفترة الزمنية التي سيعيش فيها، لكن هذا القدر هو من يتحكم في حياته أكثر من مجهوده الفردي، أكثر من ذكاءه، أكثر من دراسته، أكثر من عمله، أكثر من محاولاته المتكررة. لا أخفي عليكم سراً، أنني أخاف أن أكون ليب، والمأزق الوجودي الأكبر هو أننا كلنا ليب في أخر المطاف