عادات متوارثة لاستقبال شهر رمضان عند الرباطيين

عادات متوارثة لاستقبال شهر رمضان عند الرباطيين


رمضان عند الرباطيين، بين بومردوف والتجاري!

يتميز شهر رمضان الأبرك عند أهل الرباط بعادات وتقاليد عديدة تشابه العادات المغربية الأصيلة في بعض الأمور لكنها تختلف في عدة خصوصيات فريدة، والتي من شأنها أن تثري التنوع الحضاري والثقافي للمغرب. 

تبتدأ التحضيرات للشهر الكريم منذ أواخر شهر رجب، حيث تقتضي أول مرحلة للتهيئ شراء مستلزمات أطباق الفطور الرسمية والتي تقتنى مرة كل ثلاث سنوات تقريبا، بعد ذلك تتكلف مدبرات المنزل بتحضير الوجبات الأساسية الخاصة بمائدة رمضان الرباطية. والتي تعتبر مقوماتها الرباطية الأحادية كالتالي : 
- السفوف وهي حلوى مسحوقة عبارة عن خليط من الطحين واللوز والسمسم (الجنجلان) واليانسون (النافع).
- الزميتة وهي حلوى وصفتها الأصيلة ذات منبِت رباطي أندلسي محض، تُحضر من خليط القمح والحمص وبذور البطيخ (البتيخ) وبذور البطيخ الأحمر (الدلاح) وبذور الكتان (زريعة الكتان) والشمر (حبة حلاوة) والكروياء (الكروية) والأسينوس (المانتا) والزعتر والنعناع الجاف (اليابس)، إضافة إلى السمسم واليانسون والقرفة.
- المخرقة وهي حلوى مفتولة ذات خليط بالدقيق والسمسم واليانسون والقرفة والخميرة والبيض والزيت وماء زهر البرتقال والصمغ العربي (المستكة الحلالية) والزعفران الحر، الكل مقلي ومغمس في العسل ومزين بحبات السمسم. سميت بهذا الإسم لأن شكلها مخرق، أي به ثقوب.
- الشباكية وهي حلوى أندلسية أصيلة، يرجح أن منبتها فارسي، وهي ذات شكل مُورّد تحضر من خليط الدقيق والسكر والكركم وماء الزهر، ثم تقلى وتنغمر في العسل. إلا أن الرباطيين دأبوا منذ القِدم على إقتنائها من المتاجر حيث يتخصص في تحضيرها « السفّاج »، أي بائع الإسفنج (الشفنج). 
- المرشوقة وهي حلوى اللوز ملفوفة في ورق العجين المثلث، تختلف عن "بريوة اللُّوز" الفاسية بكون اللّوز المكون لها يُقلى قبل أن يُلفّ، ثم أنها تُزين بحبوب السمسم. 

كما يولي أهل الرباط شهر الغفران عناية خاصة حيث يشرعون فور الإنتهاء من إعداد الوجبات الرمضانية الأساسية، يشرعون في حملة تنظيف وتنظيم غير مسبوقة، فيُهيَّئ المنزل لإستقبال الشهر الفضيل ويطلقون على هذه العملية التنظيفية إسم "العْواشر".

في ذلك الخضم، تُشترى الحاجيات الأساسية للمطبخ المسماة "التّْموين" بكميات كبيرة والتي تتكون من الدقيق والسكر والزيت والزبدة والتمر والشريحة، إضافة إلى بعض الأواني الخزفية والمغارف الخشبية ويُستودع الكل بالمخزن المنزلي "بيت الخْزين". 

وعند الفراغ من أداء كل هذه الواجبات المنزلية، يُفسح المجال أمام أهل الرباط للإحتفال والإستعداد نفسيا وبدنيا لإستقبال الشهر المبارك عبر إحتفالات شعبانة التي قد تمتد طقوسها طيلة الأسبوعين الذين يسبقان حلول شهر رمضان، فتقال خلالها العبارات الرباطية الجميلة "اللّٰه يصوّمو لنا عالكمال" وكذلك "تصومو وتعاودو". 

وعند تبوث رؤية الهلال تطلق النساء الزغاريد ويتبادل الرباطيون التهاني بعبارات فريدة ك "مبارك الشّهار" قبل الإستعداد لأداء أول صلاة تراويح بعد العِشاء. وقبل الدخول للمنزل يتصدق أرباب الأسر على صاحب المزمار والطبل (النفّار) و (الطبّال) الذي يجولون الأزقة للإعلان عن حلول شهر الصيام، فيقول الرجال (خرّجو العادة) وتقول النسوة والأطفال (حق زعطوط). وفي نفس الآن، يتم تحضير وجبة السحور الأولى التي تتميز بوفرتها بيد أنها تعتبر عَشاءا كذلك، وتعرف العادة الرباطية تحضير طبق اللحم بالبيض واللوز (طياب المغدور) والخبز المنقوش (خبيّز مزوّق).

وفي صباح أول يوم من شهر الصيام، وبعد أداء صلاة الصبح تُقرأ آيات من الذكر الحكيم ويُؤخذ قسط من الراحة لمزاولة العمل بعد ذلك.
أما بالنسبة لمدبرات المنزل فيبدأن بالطبخ والقيام ببعض الأعمال المنزلية. وبعد صلاة العصر يقوم أرباب الأسرة بالتسوق وإبتياع كل ما ينقص البيت ذلك اليوم، ثم يعودون للمنزل لقراءة القرآن أو الأوراد (للمنتمين لطرق صوفية) لحين آذان المغرب.

ولمكافأة الصائمين، تُفرش مائدة الإفطار الرباطية التقليدية الأصيلة، المغطاة بمفرش مطرز على الطريقة الرباطية (الرّْقيم)، وتتكون هذه المائدة حصراً من الماء والحليب والتمر والشريحة والمخرقة والشباكية والمرشوقة والبيض المسلوق وفطور بوفرتونة (الحريرة الأندلسية، أصلها من buena fortuna، أي الحظ الجيد) التي تشرب بمغرفة الخشب. وتختلف هذه الشوربة عن الحريرة بمكوناتها الخاصة التي تعتمد على الأرز والكثير من الطماطم (عشر حبات كبيرة أو أكثر) وتفضيل القزبرة على البقدونس في الكمية وإلزامية وجود الزعفران وقطع اللحم.
إضافة إلى أن الفطور الرباطي يتميز بصبغته الحضرية التي تفترض فيه عدم وجود المعجنات من رغايف وبغرير ومخامر، وكما هو كذلك الحال في عدة مدن حضرية أخرى. 

وتقدم وجبة العشاء تباعا، أي مباشرة بعد وجبة الفطور وهو ما يسميه أهل الرباط بمسمّى (بومردوف)، ويتكون العشاء من طبق رباطي أصيل أو طاجين مغربي تقليدي (بدون خضر بإسثناء –الخضرة الشريفة– وهي اللقيم والبرقوق وخلافه) مرفوق بسلطات الموسم (جناب الطابلة) وبالخبز الرباطي المزخرف (خبيز مزوق). 

وللإشارة، فصلاة المغرب تُؤدّى في المنزل جماعة مباشرة بعد شرب رشفة ماء وتمرة، وعند قضاء الصلاة يلتحق الصائمون بالمائدة مرة أخرى لإستكمال فطورهم. ثم بعد ذلك يأخذون قسطا من الراحة قبل الإستعداد للذهاب للجامع لأداء صلوات العِشاء و (التّشفاع) وهي ما يطلق عليها الشرقيون إسم التراويح. 

وبعد الإنتهاء من الصلاة، يلتقي الأصدقاء أو أهل العائلة الواحدة من الرجال بإحدى البيوتات في أمسيات سمر (التقصيرة) والتي تشتمل لعب الورق (الكارطة)، وتُلعب على وجه الخصوص جولات في (التوتي الرباطي) و (التجاري) وهي ألعاب ورق رباطية أندلسية، تلعب على نبرات موسيقى الآلة. بينما تجتمع النساء للتكلم مع بعضهن وغناء مقطوعات رباطية تقليدية (العْماير) في شقها الديني المديحي وهناك منهن من يستهويهن لعب الورق كذلك، فيلعبن لعب (التريس، من الإيبيرية Tres) الشهيرة مع تقديم صينيتي الشاي والقهوة وبعض قطع الحلوى الرباطية ك‍ (پاليپا) مرفوقة بالسفوف والزميتة. وتبقى جلسات السمر قائمة إلى ساعات متأخرة من الليل، حيث يتم بعدها مباشرة قيام الليل.

أما بالنسبة لمائدة السحور، فهي تتكون من مأكولات عديدة كالخبز المحمص الرباطي (الشّْفار بالزبدة) والعجّة (البيض مقلي بالزبدة) وميڭاز (طبق الخبز الجاف المُعاد تشكيله في مختلف صيغه، وهو طبق أندلسي أصله Migas) كأطباق تقديمية ثم طبق المرق بأرجل الخروف (مريقه بالكراعن) والسفة الرباطية المردومة (بحبات الكسكس التي تغطي الدجاج) والكفتة الرباطية (الكفتة حرش) وقوارمة والشرمبق والقطبان د الكبدة وأطباق مختلفة أخرى كوجبات رئيسية.

وعلى العموم، يجتمع أهل رباط الفتح مع إخوانهم من المناطق الأخرى في عادات وممارسات نظيرة تخص شهر رمضان، بينما يتميز أهل الرباط الأندلسيون بعادات غذائية حصرية وتقاليد بارزة خاصة بهم. كما يتصف الرباطيون في هذا الشهر المعظم بإحترام هذه المناسبة الدينية الأطول في السنة بأداء فرائضها وسننها وبالمعاملة الكريمة والكلمة الطيبة وصلة الرحم مع بعضهم البعض وبتآزر عائلي غير مسبوق وكذا بالإستمتاع والمرح في نسائم الليل. ((منقول))

تحرير : صفحة Traits de la Culture Rbatie معالم الثقافة الرباطية

ما هو رد فعلك؟

0
like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow