فن العيش: لماذا نتأثر بالمعاناة أكثر من السعادة ؟
الكثير من الدراسات النفسية أظهرت أننا أكثر تأثرا بالأحداث السلبية مقارنة بالأحداث الإيجابية، فالتجارب السلبية تُؤثر فينا أكثر، ونتذكرها أكثر من غيرها والاحساس بها يدوم فترة أطول، نقلت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية عن باحثين من جامعة لوفان، قولهم أن الحزن يستمر داخل الانسان أكثر بـ240 مرة من أي شعور آخر كالخجل أو الدهشة أو الغضب أو حتى الفرح، وأن الحزن يرتبط في الغالب بأحداث لها أثر كبير على نفس الإنسان، مثل وفاة عزيز أو الانفصال أو الفشل، وما إلى ذلك من حوادث مؤلمة، وبالتالي يحتاج الشخص إلى وقت أطول للتغلب على الحزن والتكيف مع ما حدث، قد يكون لذلك تفسير استنادا إلى علم النفس التطوري، الذي يؤكد على أنه في صراع الانسان من أجل البقاء، يكون تذكر ومعرفة مكمن الخطر - لإيجاد طريقة لتفاديه - أكثر أهمية من تذكر حدث سعيد، هنالك قصة حقيقية معبرة لشارلي شابلن قال بأنه حكى نكتة أمام الجمهور، فضحك الجميع، وأعادها للمرة الثانية، فضحك البعض فقط، وحين أعادها للمرة الثالثة لم يضحك أحد، بعدها قال :
"إذا لم تستطع أن تضحك وتضحك لنفس النكتة ، فلماذا تبكي وتبكي لنفس الهم والمصاب !؟، لذلك استمتع بكل لحظة في حياتك .."
هل صحيح أنه لو اختفت المعاناة من الحياة سيحصل الانسان على السعادة الدائمة؟، ماذا لو كانت الحقيقة عكس ذلك، عند الفيلسوف الألماني نيتشه، تعتبرالمعاناة و الألم بالنسبة له من طبيعة الوجود الاساسيه، هما مقترنان على نحو يصعب الفصل بينهما، ومن يرغب بالسعادة عليه أن يرحب بكل أشكال المعاناة والفشل، و من المهم أن يعيش الإنسان نكسات حقيقية في حياته، لذلك فلا مناص من تلك المعاناة ولا أمل في حياة خالية من الألم، و اجتياز أقسى التجارب وأقسى المحن من أجل الوصول إلى مرحلة أسمى من الرقي، فالتألم هو ضرب من ضروب الامتحان أو الاختبار و محك صلابته الروحية، و يرى أن الإنسان يسعى الى التخلص من الألم ولكن بدون ان يحاول فهم وهدم أسبابه، أما أوشو يرى أن الذي يجعل تجربة الألم تطول، هو هروب الإنسان من الألم ذاته، عليه تأمل حزنه عندما يكون حزينا، و لا يتسرع في التخلص منه أو إشغال نفسه بشيء آخر بغية نسيانه، سيكون ذلك خسارة لفرصة المصالحة معه، لأن في الحزن عمقه وجماله ونكهته، عليه أن يعيش الحزن و يسترخي، وبهذه الطريقة سوف يختفي الحزن تلقائيا وتظهر البهجة، الألم له جانبه الايجابي، يجعلنا أكثر يقظة و الناس لا يتنبهون الى السهم إلا عندما يصل إلى أسفل قلوبهم ويؤذيهم، أو كما يقول نيتشه : الضربة التي لا تقتلني تجعلني أقوى، ليس من المفترض أن يجعلك الألم غير سعيد، بل يجعلك أكثر وعيا وعندما تكون واعيًا يختفي البؤس، فالسعادة هي الأصل والجوهر، لكن الأنا/الإيغو تمنع الرؤية الواضحة لحقيقة الوجود، لا شيء يقتل الأنا مثل المرح والضحك، عندما يبدأ الإنسان في أخذ الحياة على أنها متعة تموت الأنا، الأنا هي مرض تحتاج إلى جو من الحزن للوجود، الجدية تخلق الحزن وهي تربة ضرورية للأنا.
- Kh@dij@ S@bri -