القانون الذي يحكم المشهد السياسي في الشرق الأوسط
تجدر الإشارة إلى أن عُنصر الثقافة و الدين في منطقة الشرق الأوسط منذ القرون الوسطى إلى غاية سقوط الدولة العثمانية قد شكَّل العامل الرئيسي في إنتاج السياسات و رسم ملامح الدولة و المجتمع.
إلا أن هذه المعادلة قد تغيرت فور إنهيار الإمبراطورية العثمانية وظهور مفهوم الدولة القومية، أي إعتماد القومية كأساس لقيام الدولة.
هذا التغيير قد أفرز عن تناقضات خطيرة في المنطقة وجَعَل الهوية و الدِّين على طَرَفَيّ نقيض ، القوميات التي كانت بالأمس القريب مجرد تفاصيل غير مهمة و التي تذوب في الدين، أصبحت بعدها الأساس الذي تتشكل عليه
الخرائط و الدُّوَّل و الحقوق السياسية.
و قد أَتْقَنَت الدول الإمبريالية الإستعمارية حتى بعد خروج جيوشها من المنطقة بعد مسلسلات "الإستقلال الناقص"حسب تعبير الحبيب بورقيبة، فنْ التحكّم بهذا الصراع، أي صراع القومية(الهوية) و الدين (المُعتقد) و عملت دوما على تكييف هذا التناقض لصالحها من أجل ضمان عدم صعود قُطب حضاري مُنافس لمصالح رأس المال المُعَولم.
و يُعتبر صراع الإخوان (الدين) و العَسْكر(الهوية القومية) في مصر المِثال الحي لفهم القانون الذي يحكم السياسة في الشرق الأوسط و كل بلدان منطقتنا، حتى تلك التي تُسَمَّى بالجمهوريات و الملكيات، فببساطة تختلف المُسميات و يبقى الجوهر الذي يتحكم في الخيوط واحدا.
و هكذا وقعت الشعوب بين مطرقة النظم القومية المُستبدة و سندان الإسلام السياسي، و شرعت الدول الإستعمارية المُتصارعة في دعم الطرفين معا.
و هكذا نجد أمريكا (الرأسمالية) تغض الطرف عن إنقلابات الضباط الأحرار في مصر و سوريا و ليبيا و العراق رغم ميولاتهم الإشتراكية، و ذلك بهذف رغبتها في محاربة نفوذ بريطانيا الإقتصادي ،(إذ مباشرة بعد صعود هؤلاء للسلطة كان قرارهم الأول تأميم شركات التاج البريطاني.)
و نجد في مقابل الأمر بريطانيا تدعم التيار الإخواني في مصر و تساعده في مواجهة الضباط العسكريين الإشتراكيين الذين يُخرِّبون مصالحها في المنطقة.
ولا يزال هذا التناقض و الصراع إضافة الى الأسلوب الغربي في إستدامته و تكييفه قائما الى حدود اليوم، و يتخد أشكالا مختلفة، و لم يكن قرار تأسيس إسرائيل سوى أحد وسائل القوى الإستعمارية لضمان إستمرار هذا التناقض في المنطقة.
فمن يتسائل عن سبب عدم تدخل الأنظمة الحاكمة العربية في أزمة غزة اليوم ،فببساطة لأنها غارقة في المصالح الإقتصادية و السياسية مع الغرب الرأسمالي الذي يمثل هنا (الحضارة الغربية) ، و لأن المُحارب في غزة إخواني و مدعوم من إيران التي تمثل هنا (الحضارة الشرقية) .
كما أن الأنظمة العربية الحاكمة بمختلف أشكالها (عسكرية/جمهورية/ملكية ) ترى سيناريو ما بعد فوز حماس، الذي يعني حرفيا عودة تيارات الإسلام السياسي إلى الواجهة مرة أخرى.
لاكن الشيء الذي لم تستوعبه هذه الأنظمة أن العالم قد تغير فعليا، و أصبحت المواجهة الحضارية بين الشرق و الغرب صريحة ووقحة للغاية، و يتضح ذلك من خلال تصريحات الرؤساء الغربيين التي تقول حرفيا أن المصالح الغربية و إسرائيل تتجاوز كل الإعتبارات الإنسانية و الدينية و الثقافية.
لقد حان الوقت لهؤلاء الحكام في منطقتنا أن يستيقضوا من سباتهم العميق،لأن الوقت قد حان لخلط الأوراق و خلق توازنات سياسية جديدة في عالم متعدد الأقطاب.
فتصريحات بايدن و الدعم الغربي الأعمى للإجرام الإسرائيلي يعني بأنهم على استعداد تام لحرق حلفاء الأمس في سبيل تحقيق الغايات الكبرى.
و شعوب المنطقة قد تتغاضى عن الفساد السياسي و الإقتصادي و الأوضاع المزرية ،إلا أنها سوف تنتفض حتما و بقوة جنونية عندما يتم إسترخاصها و إسترخاص أرواح إخوانها في غزة و تحويل دماء الأبرياء هناك إلى مجرد أداة من أدوات الحملة الإنتخابية الخاصة بالعجوز بايدن و بعض الأحزاب الأوروبية التي ترغب في كسب ود النفوذ الصهيوني هناك.
و كل دقيقة إضافية من الحرب و الإبادة الجماعية هناك في غزة تشكل تهديدا صريحا لشرعية الأنظمة الحاكمة في بلداننا، و كما قال بايدن "العالم يراقب" سوف أقول بدوري أن "شعوب المنطقة تراقب".
على صناع القرار الخروج من القانون الذي يحكم المنطقة (صراع الهوية و الدين).
عليكم الخروج من المعادلة (المصلحجية) أو كما تصفونها (البراغماتية) لأنها لا تستقيم عندما تُهان كرامة الشعوب، و يصبح الرهان عليها خاسرا في ظل وضع يُنذر بإنفجار البراكين.
/يوسف بولكجم/
ما هو رد فعلك؟
0
0
0
0
0
0
0