التحولات الأنتربلوجیة التي غیرت مجری التاریخ: أو حین تفرض الحضارة الأمازيغیة نفسها کأم الحضارات
لم تحضی منطقة شمال افریقیا (تمزغا، بلاد الأمازيغ) بالإهتمام اللازم فیما یخص البحث الأرکیلوجي و التاریخي الذي تستحقه، بل ظلت لزمن طویل منطقة هامشیة في إهتمامات الجامعات و مراکز البحث و التنقیب الغربیة (الراٸدة في هذه المجالات)... حتی خیل لنا أن هذه المنطقة (شمال افریقیا) لا تتوفر علی ارث حضاري و تاریخي یستحق الإهتمام...
فترکيز کبار الأرکیلوجین و المٶرخون علی مصر و الهلال الخصیب و الأناضول و شرق افریقیا و أروبا... رسخ الإعتقاد عند عامة الناس و حتی عند المتخصصین في التاریخ و الأرکیلوجیا بأن الحضارة الإنسانیة ظهرت و تطورت في مناطق عدة من العالم القدیم إلا بلاد الأمازيغ: فقد صورت لنا الکتابات التاریخیة بلاد الأمازيغ علی أنها منطقة أو مجال عبور (espace de transit) لم تنتج حضارة و لا أسست فکرا... بل ظلت علی طول تاریخها تابعة إما للشرق أو للغرب...
قد ساهمت مراکز البحث الأرکیلوجي الغربیة في ترسیخ هذا الإعتقاد بعدم اهتمامها بالبحث و التنقیب عن کل ما تکتنزه أرضنا من کنوز حضاریة و معرفیة...
لکن في السنین الأخیرة و بفضل وصول باحثين شباب (مغاربة و حزاٸریین و تونسیین) الی مراکز البحث في الجامعات المحلیة، بدأنا نکتشف، و یکتشف معنا العالم أن شمال افریقیا/بلاد الأمازيغ هي منشأ الحضارة الإنسانیة و مجال ترعرعها و نضجها قبل الإنتقال الی باقي أرجاء المعمور...
فمن اکتشاف إنسان إيغود (أقدم إنسان عاقل علی و جه الأرض) الی مغارة طوما و سیدي عبد الرحمان،ثم مغارة الهرهورة (أقدم أدوات النسیج علی وجه الأرض) الی مغارة الصویرة (أقدم حلي علی و جه الأرض)... و الإکتشافات لا تعد و لا تحصی رغم أننا في بدایة المشوار...
کل هذه الإکتشافات تقلب فهمنا لتاریخ البشریة و لتطور الحضارة الإنسانیة.
فبعد هذه الإکتشافات لم یعد ممکننا إقناع الإنسان الأمازيغي أنه عالة علی الإنسانیة و لا أنه کان في الظلمات حتی أخرجته أمم أخری الی النور...
تصوروا معي حجم التطور و الإنتقال الأنتربلوجي الذي شعر به الإنسان الأمازيغي حین إنتقل لأول مرة من إنسان بداٸي الی إنسان بمقدوره صناعة أدوات القنص، ثم طرق تدجین الحیوانات و تقنیات الزراعة... ثم تصوروا معي حجم الإستقلالیة و الخصوصیة (intimite) التي شعر بها و هو یصنع الملابس و یرتدیها لأول مرة: إنه بهذا یصنع الفارق بینه و بین باقي الحیوانات و بالتالي یرتقي بالبشریة من مصاف البداٸية الی مصاف التحضر...
ثم تصورا معي حجم التقدم الذي أحرزه هذا الإنسان الأمازيغي یوم استطاع أن ینقل أفکاره من الشفاه الی مرحلة التدوین و الکتابة...
ثم تصوروا معي حجم التطور الذي تحصل لهذا الإنسان الأمازيغي حین انتقل من أكل طعامه طازجا الی ظبخه ثم حجم التحضر الذي حصل حین بدأ في إضافة محسنات لطعامه من توابل و بهارات... و خاصة حین إكتشف فواٸد تملیح طعامه...
کل ما سبق، یوجد الیوم دلاٸل علمیة تکشف عن سبق الأمازيغ فیه و فضلهم علی البشریة في اکتشافاتهم تلک...
قد لا یعي البعض منا حجم الإنتقالات الأنتربلوجیة التي تحققت للبشریة بفضل هذه الإکتشافات و الممارسات، لکن هي تعد بحق ثورات لا تقل أهمیة عن الثورات المعروفة عالمیا (ثورة الطباعة، الثورة الصناعیة، الثورة المعلوماتیة...)
لم یبقی الیوم من عذر لذی الأنظمة الحاکمة في شمال افریقیا من أجل إعادة الإعتبار للحضارة الأمازيغیة و الإعتناء بها فکرا و ممارسة