هل يمكن التنبؤ بالزلازل ؟
حاليا : هل يمكن التنبؤ بالزلازل, وهل تؤثر حركة الكواكب على النشاط الزلزالي للأرض ؟
وجه العلم الزائف في المنشور السابق عن فرانك هوخربيتس هو أن تأثيـــر حركة الكواكب (بقوى المد والجزر Tidal Forces ) على النشاط الجيولوجي للأرض تأثيـــر ضعيف جدا ليتسبب في أي هزات أرضية أو زلازل.
بل حتى في حالة القمر والشمس (القمر له تأثير مد وجزر قوي ... بينما الشمس لها تأثير مد وجزر يساوي تقريبا نصف أو أقل من نصف تأثير القمر), و حتى في هذه الحالة تأثيرهما أضعف من أن يتسبب في أي زلازل أو هزات.
لاحظ معي مثلا أن القمر, الذي يكون تأثير قوى المد والجزر لديه أقوى من الشمس (وأقوى من باقي الكواكب), ورغم ذلك لايمكننا استخدامه للتنبؤ بالزلازل.
ليست هناك علاقة تناسب اطرادي بين حركة المد والجزر (في البحار والمحيطات), وبين حدوث الهزات الأرضية.
نقطة أخرى : قوى المد والجزر التي يطبقها القمر (والشمس) على الأرض تشبه (في مجالها المتجهي) شكل البيضة (كما ترى في الصورة) ... شكل المجال يكون ثابتا (ذلك الشكل البيضوي), ...
عندما يكون القمر بين الأرض والشمس يزداد حجمه من اليسار. (لأن المجال المتجهي للشمس ينضاف الى المجال المتجهي للقمر على اليسار).
بينما عندما يكون القمر في الجانب الآخر, يصبح المجال المتجهي على اليسار ضعيفا مقارنة باليمين.
أما عندما يكون القمر فوق الصورة أو تحت الصورة (التربيــع الأول والثاني) كما ترى في الصورة السفلى, فإن شكل المجال يكون أقل بيضوية.
الآن. الأرض تدور ضمن ذلك المجال, يعني المجال البيضوي شكله ثابت, ثم تدور الأرض داخله. هذا ما يسبب تغير قوى المد والجزر في كل منطقة ساحلية ...
لدينا مجال متجهي يمثل متجهات قوى المد والجزر التي يطبقها القمر والشمس على الأرض , هذا المجال له شكل بيضوي (يتغير قليلا حسب مكان القمر والشمس بالنسبة للأرض).
الأرض تدور حول نفسها داخل ذلك المجال المتجهي, هذا يسبب تغير قوى المد والجزر في كل منطقة في العالم... هكذا تعمل قوى المد والجزر : هي ثابتة, لكن دوران الارض حول نفسها يجعلها متغيرة حسب المنطقة.
هذا التأُثير يظهر أكثر على السوائل, لأنه ضعيف جدا ليؤثر على القشرة الأرضية والمكونات الصلبة للأرض (أو حتى المكونات التي تكون تقريبا صلبة, أو شبه منصهرة).
بالتالي : التفكير في أنه ربما القمر يمكن استخدامه للتنبؤ بالزلازل هو أمر خاطئ جملة وتفصيلا ...
فما بالك بالشمس التي تأثيرها أقل من تأثير القمر ... فما بالك بالكواكب التي يكون تأثيرها أصغر من ذلك؟
نعم هناك تأثير ... لكنه ضعيــــف جدا, لدرجة أنه مهمل. ببساطة لايمكنك أن تنظر الى السماء وتقرر متى ستصطف الكواكب بشكل يسبب زلزالا على الأرض.
بل حتى بالنظر إلى القشرة الأرضية والوشاح , من المستحيل أن تتنبأ بالتوقيت بالضبط الذي سيحدث فيه الزلزال.
الأمر أشبه بأن يكون لديك صنبور حدث كسر في أحد أنابيــبه, وبدأ يتسرب منه الماء قطرة قطرة, لكن هذا التسرب يسبب تجمع الماء في ثغرة في الحائط خلف الصنبور, هكذا اذا ازداد الضغط عن قدر معين, فسيتسبب هذا في انفجار في الحائط أو الأنابيب أو الصنبور.
أخذت كل المتغيرات الفيزيائية, وقمت بعملية حسابية لتعرف متى سيصل الى ذلك الضغط بالضبط ... وجدت مثلا بأن ذلك سيحدث بعد 6 أشهر.
لكن عملية الحساب أعطتك حوالي 5 بالمئة كمقدار للخطأ. نفترض أن الحساب غير دقيق في حدود 5 بالمئة, أي 0.05 ... هذا يعني بأن ذلك سيحدث بعد 6 أشهر, تضيف إليها 9 أيام, أو تحذف منها 9 أيام..
يعني أنت لا تعرف متى سيحدث ذلك بالضبط, ولو كان الأمر مرتبطا بحياتك فسينبغي عليك ان تخلي البيت في مدة تساوي حوالي 20 يوما (وهي المدة التي تشك في أن الحدث سيحدث فيها).
في الزلازل والهزات الأرضية, تجميــع الطاقة (ذلك التسرب في الأنابيب) يتم على مئات وآلاف السنين, وليس فقط في أيام أو أشهر.
بالتالي : متى ستحدث الهزة (متى سينفجر الحائط أو الصنبور), هنا ليس مقدار الخطأ فيه بالأيام (20 يوما), بل قد يكون بالسنوات (سنة , سنتان...الخ).
نعم حتى ولو كنت دقيقا جدا ستقول : قد يحدث زلزال هذه السنة أو السنة القادمة, لكن لايمكنك أن تقول بأنه سيحدث هذا الشهر أو الشهر القادم, لأنه لايمكنك الوصول الى هذه الدرجة من الدقة, مهما بلغت حساباتك, الأرض ضخمة و الأحداث الجيولوجية تتم على مستويات ضخمة, بالتالي مقدار الخطأ في أي حساب سيكون مقدارا بالأشهر والسنوات (في أحسن الاحوال... أما في أسوأ الأحوال فستقول بأن الزلزال قد يحدث هذا العقد أو العقد أو حتى القرن القادم).
بالتالي : حتى ولو كنا قادرين على التنبؤ بالزلازل في حدوث دقة كبيرة نسبيا , ستكون درجة الخطأ بالأشهر والسنوات, ولايمكنك أن تقول للناس أن يخلوا بيوتهم لأشهر وسنوات, لايمكنك أن تأتي إلى مدينة وتقول لأهلها بأنه قد يحدث زلزال سنة 2023 أو 2024 أو 2025 , وأنه ينبغي عليهم اخلاء منازلهم.
أفضل ما يمكنك فعله هو أن تقوم بتحسين جودة الأبنية .. هذا سيخفض من عدد المنازل التي قد تتأثر بزلزال 7 درجات.
مثلا في اليابان , هناك زلازل 7 و 8 درجات ضربت الكثير من المدن, ورغم ذلك لاتزال معظم المنازل سليمة أو متضررة .. لكن لم تهدم, مثلا : ضرب زلزال 8 درجات مدينة هوكايدو سنة 2003 , ولم يسقط قتلى. 8 درجات معناها أنه أقوى 10 مرات من زلزال 7 درجات.
هذا لأن اليابانيين لديهم خبرة وتجربة في هذا الموضوع, وينبغي للدول أن تستفيد من خبرتهم في البناء التي اكتسبوها من تعايشهم مع الزلازل ... هذا هو الحل, وليس محاولة التنبؤ بالزلازل.
الحقيقة أن العلماء كثيرا ما فكروا في طريقة للتنبؤ بالزلازل وفشلوا في ذلك : كل النماذج ليست بدرجة من الدقة لكي تتنبأ بأمر كهذا, كما أن هناك الكثير من العوامل والمتغيرات التي تتحكم في الموضوع, ليست شيئا يمكنك التنبؤ به بسهولة.
وأي شخص يقول بأنه قد تنبأ بعدة زلازل فغالبا يضع عدة تنبؤات (ينجح منها بعضها بسبب قوانين الاحصاء والاحتمال)...
أو ربما قد يكون شخصا مختصا في الزلازل, فيقول مثلا بأن هذه المنطقة فيها خطر حدوث زلازل أو براكين, ثم يصمت, ولايحدد أي توقيت, يعني يترك الأمر مفتوحا.
ثم بعدما يحدث ذلك, يميل الذين استمعوا له إلى المبالغة في تقدير هذا التنبؤ ... أوه لقد تنبأ بالزلزال. لأنه لو لم يحدث أي زلزال فلن يلومه أحد, لأنه لم يحدد التوقيت أصلا.
ختاما : لو كان يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل انطلاقا من حركة الأجرام السماوية لفعل القدماء ذلك منذ أمد بعيد.. لكنهم لم يفعلوا (رغم أنهم ربطوا هذه الاجرام مع أمور غبية كشخصية المولود أو طالعه أو مستقبله أو وغيرها), هذا يعني أنه ببساطة لاتوجد علاقة, ولو كانت هناك علاقة لرآها القدماء ولاستخدموها بشكل جيد.